يعد أرسطو أن الفن مجموعة ما انتجته الجهود البشريَّة قاطبة من طاقات وابداعات وروائع إنسانيَّة، فالفنَّ قوَّة صاغتها الأشكال الحضاريَّة التي أنشأها المرء على مدى تاريخه الطويل، في كل زمان ومكان حيث إن الفنَّ فِي مفهوم ارسطو، يشابه مفهوم شكسبير ويتفق الكثير والكثير من الفلاسفة على أن الفن هو الصنع هو الإبداع، والفن الرفيع يتميز أنه إبداع الخيال. وهو الذي يؤدِّي إلى صنع الأشياء الجميلة والراقية. حيث إن نظريات الفن الحديثة غاية في النَّفس البشريَّة. لا وسيلة لشيء آخر، ولكن للإنسان صفتين مهمتين صفة الإبداع والتَّأمُّلُ فهناك الإنسان المبدع، والإنسان المتَّأمُّلُ فيجب ان ترجع الجمال للتَّأمُّلُ ولا تحاول أن نخلط بين الفن والجماليات، وعندما نتَّأمُّلُ أعمال الرواد الأوائل للنهضة الأوروبية الحديثة، فيما يسمى بالإلهام الجمالي - فالفنون العادية تندمجان أو تمتزجان، ولكنهما يتمايزان تماماً - حيث لا غاية لأي منهما سواء في الفنون الرفيعة الخاصَّة، وفي فنون الحياة فإن وجهة نظر الفن يكون اهتمامنا نابعاً من الدافع الداخلي الذي يقودنا نحو العمل أو الإبداع فإن التأمل الحسي (والرؤية أو السمع) مندمجان مع الفكر، وذلك من أجل كشف الجمال. فالمرء يتوقف تارة، ويقول طريق الجمال ليس هو النعومة أو السهولة أو اليسر.
إن للجمال طريقاً تكتنفه المجاهدة، والخشونة، وربما القسوة، فالمرء يتحمل الصِّعاب والأهوال حيث إنَّه يخترق تارة الغابات المحفوفة بالمخاطر والعقبات - حتى يتمكن من الوصول إلى هدفه وغايته منتصراً - إلى القصر الجميل. فهناك علاقة بين الفن الرفيع وبين فن الحياة أو الاخلاقيات فقد احتدم حوله الجدل والنقاش والحوار فالكل يبادر بالقول:- إن الأخلاق يمكن اعتبارها بمثابة (النوع) الذي يندرج تحت ما هو أكبر.. أي تحت (جنس). فالفن له أصول وقواعد فإذا تأمُّل المرء هذا الفن فإن الأمور تنكشف أمامه ظاهرة الجمال، مثل أيِّ فن رفيع.
فهذه القضية قديمة منذ عهود الإغريق القدامى. لقد مجدوا الفن وكبروا من أهمِّيتَّه، بقدر ما صغرَّوا الفنان وقللوا من شأنه، فقد شعروا بالاستعلاء الارستقراطي تجاه الحرفيين والصناع فكان أفلاطون على رأس الهرم، حيث كانت فلسفته تمنع أي كاتب - في الأدب الروائي - أن يقر سيرة الرجل الطيب بالحياة التعيسة. وأن يزاوج بين حياة الرجل الشريد والسعادة، وقد ظل أفلاطون طوال حياته مقتنعاً بهذا الرأي.. ويرجع السبب في هذا الموقف المتناهي في النقاوة، المرتبطة بالفضيلة، والمبتعدة عن الواقعية، المقترنة بطريقة التفكير الفلسفي فاستوجب أن يربط الفن والأخلاق معاً. أمَّا موقف أرسطو فقد خطا خطوة تقدمية فكان من أوائل من وسعوا الرؤية في هذا المجال. بدلاً من أن يحارب المفهوم القديم فقد عبر عن فن الشعر (وهو من أهم الفنون عند الإغريق) بقوله: إن للشعر بهجته الوجدانية، فهذا مفهوم ارسطو.
في ضوء المفاهيم الحديثة، فيمكن ان تتسع رؤيته لكي يجد فيه الشعر هذه المؤثرات التنفيسية التي ارتآها الفيلسوف «كروتشي» في العصر الحديث لكن البصيرة الصادقة والرؤي الهادفة تقرَّ أن الفن له دوره الخاص في الحياة فالفن يشبه الزهرة الجميلة - أو الرُّوح النقية العطرة، ومتعة الفن أن ترفع قلب المرء إلى مستوى الأجواء الأرضية، فالحياة صراع الإرادة شيئاً موضوعياً - وشيئاً محسوساً فالعبقرية أعظم موضوعيَّة كاملة فالبعض منا لا يرى الحقيقة إطلاقاً فنحن نرى علامات ودلائل نعلقها على الأشياء حتى تعلن لنا منافعها وفائدتها.. فهناك غلاف يقف حائلاً بيننا وبين حقائق الأشياء فالفنان هو الذي يرفع هذه الغشاوة، فيعلن لنا رؤيا الطبيعة وحقيقتها.
فالفنان إنسان موهوب، وكذلك المصور والرسام والشاعر، والموسيقار، والفيلسوف، والعالم... كل واحد من هؤلاء يسعى جاهداً أن يطور نفسه وذلك من أجل الوصول لهذه الرؤيا فالمرء لا يتعلم الأخلاق من قراءة الأدب مثلاً، ولكنَّه يتعلم لكي يقترب من إتقان فن الحياة، وذلك من خلال حياتنا، ومن الصِّعاب التي واجهتنا من تحديات وصراعات ومغامرات وعراك وكان تعبيرناً نابعاً من أنفسنا، منبثقاً من ذواتنا وليس هناك صراع بين الفنِّ والمجتمع كما أن فن الحياة يتضمن التنظيم التكاملي لجميع الظواهر الحيوية، فجميع الفنون هي ببساطة مجموعة وظائف حيوية تنبثق من كائن واحد، وهو الإنسان «الفنان».
الله الموفق والمعين.