مها محمد الشريف
بعدما خرج السلام عن مساره في الحرب الأوكرانية الروسية تصاعدت التهديدات وتشابهت الأخطاء، آخذة طريقها إلى وقوع حرب نووية مدمرة، حيث يبدو أن كافة المحاولات أخفقت ولن تفلح أي حلول دبلوماسية، وتضاعف انهيار الحوار، وذلك إثر إعلان بريطانيا، عن خطتها لإرسال ذخيرة تحتوي على اليورانيوم المستنفد لاستخدامها في أوكرانيا، احتجاجًا روسياً، ويعتبر أحد الأمثلة في التوسع الجذري التي وظفها الغرب لإدارة هذه الحرب، والصورة المستقبلية لوضع دولي تميز بالتناقض، في الوقت الذي حذَّر خبراء عسكريون من تداعيات تلك الخطوة على مستقبل الصراع الراهن، الذي قد يتحول إلى «سيناريو يوغوسلافيا».
نعم، كما أصبح واضحاً الآن، يلعب الغرب دوراً رئيساً في تطوير آلة الحرب، ومن الطبيعي جداً أن بريطانيا لديها الضوء الأخضر من الحلفاء وخصوصاً أمريكا لأنها أضعف من أن تواجه روسيا بمفردها، وتعمل من أجل إطالة أمد الحرب لسنوات لاستنزافها وهزيمة وحدتها.
ما كشفته وزيرة الدولة في وزارة الدفاع البريطانية، البارونة أنابيل جولدي، عن سعي بلادها لنقل ذخيرة اليورانيوم المستنفد إلى كييف، ضمن جهودها لتوفير سرب من الدبابات القتالية «تشالنجر 2» لأوكرانيا، بما في ذلك «القذائف الخارقة للمدرعات». هل الفكرة من هذه المساعدة إطالة أمد الحرب، وإرسال هذه الأسلحة لتوسيع نطاقها وتحفيز الأسباب لصدام نووي محتمل بين موسكو والغرب؟.
إن استخدام هذه التصريحات كبيانات ستعلمنا الكثير، وتظهر بجلاء إمكانية تأثيرها المهم في الأحداث، والغرض من نشرها في وسائل الإعلام لمعرفة ردة الفعل، فهناك لوحة مفاتيح ينقر عليها ساسة الحرب لتسريب بعض البيانات للتأثير على نفسية الطرف الآخر، تجعله يشعر بالحيرة تجاه مستقبل الحرب، فهناك قصص مخبأة بانتظار من يطلعنا عليها، وقد دأبت بريطانيا على إكمال مخططات أمريكا في الحروب الحديثة وهي لا تزال تتصدّر قائمة الدول التي تقدم مساعدات عسكرية لأوكرانيا من الناحية النوعية، لكونها أول دولة تزود كييف بدبابات القتال الرئيسية.
وكل ما يبدو في الأفق هو أن هذا يتوافق كثيراً مع النتائج التي يحملها التاريخ كواقع اضطراري تعيشه البشرية في سياقه الآن، وأظهرت بريطانيا كثيراً من المعلومات بأنها تدرب القوات الأوكرانية على حروب الخنادق داخل أراضيها، وتزويدها بالذخائر الخارقة للدروع المحتوية على يورانيوم مستنفد، وهذا النوع من اليورانيوم المستنفد يعتبر من أخطر أنواع الذخائر المخصصة لاختراق الدروع الكثيفة وإحداث أضرار بالغة بالمدرعات والمدرعات والدبابات، والمباني والمنشآت.
ولذلك إذا أردنا معرفة التأثيرات السببية في سيناريو الحرب علينا أن ننظر إلى ردة الفعل السريعة من الطرف الآخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي هدد بالرد في حال زودت لندن أوكرانيا بذخائر تحوي اليورانيوم المستنفد، ودخول هذا النوع من القذائف للميدان الأوكراني يعني تغييرا لقواعد وضوابط الميدان من الناحية التسليحية، بهذا التدافع المفزع نحو الحرب تتفاقم الأزمة إلى حد يستحيل معه العيش، ويهدد معه توازن الخطورة والخطوط الحمراء إلى مواجهة تدميرية شاملة بين القوى الدولية.
وبذلك تدق طبول حرب عالمية على غرار الحرب العالمية الأولى، إذا تحولت حرب الصواريخ والموجهة ضد الدروع، لتصبح المدرعات والدبابات ضد الصواريخ، وأسراب المسيرات التجارية التي يجرى تعديلها لإسقاط القنابل اليدوية والحارقة، وفي كتاب تغريب العالم بحث حول دلالة ومغزى وحدود تنميط العالم للمؤلف «سيرج لاتوش» قال فيه: « لقد أصبح الغرب في الوقت الحالي، فكرة أيديولوجية أكثر منها جغرافية، يميل مدلولها وحتى الانحرافات عن أساسها الجغرافي إلى اختزالها إلى مكان خيالي، ومع ذلك لا يمكن فهمه إلا انطلاقاً من أصله الجغرافي».
وأضاف «إن أروع ما حققه الاستعمار هو مهزلة تصفية الاستعمار، فقد انتقل الأبيض إلى الكواليس لكنهم لا يزالون مخرجي العرض المسرحي».