رضا إبراهيم
تكملة للمقال الأول، يصل بنا الحديث عن الأسلحة الفرط صوتية، بذكر قيام الصين الشعبية بنشر صواريخ طراز (دي إف 17) بمحيط مقاطعتي «فوجيان وتشجيانج» الواقعتين على الجانب الآخر من تايوان، وهو جزء من نمط جيش التحرير الشعبي، لتعزيز قواته على طول ساحل الصين، فيما يقول بعض المحللين إنها استعدادات لغزو تايوان.
وبحسب تقديراتهم فإن تلك الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ستحل تدريجياً محل الصواريخ (دي اف 11 - 12 - 15) الأقدم وهي توجد بالمنطقة الجنوبية الشرقية منذ عقود، وأضافوا بأن الصواريخ الجديدة لها مدى أطول، وقادرة على إصابة الأهداف بدقة أكبر، و(دي إف 17) صاروخ باليستي متوسط المدى يعمل بالوقود الصلب، يسير على الطرق وهو محمول على عربة، ومجهز بمركبة انزلاقية فرط صوتية يصل مداها إلى (2500) كم.
وترتكز إستراتيجية الصين العسكرية أساساً، على المنافسة الجارية بينها وبين الولايات المتحدة، وقدرة كل طرف على القيام بعمليات عسكرية غرب المحيط الهادئ، وهي منافسة تحمل لبكين عدة مخاوف، كحرية الولايات المتحدة في عمليات الملاحة بمناطق المياه الدولية، التي تدعي الصين أنها خاصة بها، إضافة إلى مخاوفها من تدخل الولايات المتحدة ضد أي محاولة صينية للاستيلاء على تايوان بالقوة أو حصارها، أو القيام بشن هجمات صاروخية أو مدفعية على الجزيرة، ودعم الولايات المتحدة لليابان كدولة حليفة، حالة دخول الصين في صراع مع اليابان بخصوص جزر (سينكاكو) ببحر الصين الشرقي.
بجانب التزامات الولايات المتحدة تجاه الفلبين، وخلافات الصين معها بشأن عدد الجزر ببحر الصين الجنوبي، وتزايد المخاوف من تحدى الولايات المتحدة لمُطالبات الصين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي بأكمله، وبناء على كل ما سبق، رأى الجيش الصيني حاجته لإبقاء القوات الأمريكية بعيداً عن شواطئه، عبر إضعاف المزايا التقنية التسليحية للجيش الأمريكي وتعطيل نظمه المضادة للصواريخ، مقابل تطوير استراتيجيات عسكرية للسيطرة على المجال البحري الصيني، وحرمان القوات الأمريكية من حرية الحركة والتصرف داخله، بتوسيع الأصول العسكرية الصينية البحرية والجوية.
وحول مشروع إنتاج صواريخ جوالة (كروز) تفوق سرعتها سرعة الصوت، عمل اليابانيون على المشاركة بتفاصيل محددة، يعتزمون إنجازها في ثلاثينيات القرن الحالي، ووفقاً لموقع (بولجاريان ميليتاري) فقد تمت الإشارة إلى أن طوكيو تعمل على الأسلحة فرط الصوتية منذ وقت طويل، ففي وقت سابق أعلن اليابانيون عن قيامهم بإنشاء مجمعين خاصين بذات الأمر، الأول صاروخ كروز فرط صوتي طراز (إتش سي إم)، والأخير صاروخ كروز مع حامل مقذوفات فرط الصوتي طراز (إتش في جي بي).
كما قدمت وكالة المشتريات بوزارة الدفاع اليابانية ووكالة الأبحاث والتطوير بعد ذلك معلومات جديدة حول صاروخ كروز فرط صوتي مجهز بمحركين فرط صوتي هما (رامجيت وسكرامجيت)، ويتوقع أن يتمتع المحرك سكرامجيت بكفاءة عالية مع مجموعة واسعة من السرعات تتراوح من (5 - 15) ماخ، لأن الهواء الداخل يتم ضغطه واحتراقه بسرعة تفوق سرعة الصوت، عندما يحلق الصاروخ عند مستوى (5 ماخ) أو أعلى، ما يعني أن محرك سكرامجيت ما زال في احتياج لتسريع الصاروخ لسرعات تفوق سرعة الصوت.
وهذا يتطلب تسريعاً بواسطة معزز صاروخي، فالمحرك الأول سيعمل على تسريع الصاروخ إلى سرعة (5) ماخ، والثاني سيوفر تحركا بسرعات أعلى، وسيصل بمدى الصاروخ إلى أكثر من (1000) كم/ ساعة، ويُعد صاروخ (إتش سي إم) صاروخاً أرضياً، يمكنه إصابة الأهداف الأرضية وسفن العدو، ولتحقيق ذلك يتم إنشاء نوعين من الرؤوس الحربية، أولاهما رؤوس صواريخ باستر، وآخرهما رؤوس (إم أي إف بي) متعددة الأغراض سيتم اعتماده بحلول عام 2030م.
كما يطور حالياً «المعهد الياباني للبحث والتطوير الفني» بالتعاون مع شركة «ميتسوبيشي» للصناعات الثقيلة، صاروخاً فرط صوتي مضاد للسفن يسمى (إكس ايه اس ام 3) وستدمج القذيفة بصاروخ يعمل بالوقود الصلب ومحرك نفاس تضاغطي، قادر على العمل بسرعات تصل إلى (5 ماخ) يتوقع أن يتخطي مداه (120) ميلا، وتعتبر وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (جي ايه اكس ايه) التي تشكلت عام 2003م هي المنظمة الرئيسية المسئولة عن الأبحاث فائقة الصوت باليابان، مع دمج الوكالة الوطنية لتطوير الفضاء ومعهد علوم الفضاء والطيران والمختبر الوطني للملاحة الجوية، وتشارك الوكالة في سلسلة من البرامج البحثية المتعلقة بتصميم التقنيات فائقة سرعة الصوت واختبارها.
وطالما زاد الحديث عن الأسلحة فرط صوتية، ووصفت بأنها نهضة في مجال القذائف، فهي تمتلك العديد من المزايا الفريدة، وكلها تتعلق بزيادة درجة عدم اليقين لدى الخصوم، حالة استخدامها في نزاع عسكري محتمل، حيث إن السرعة التي يمكن أن تصل لها هذه الأسلحة إلى أهدافها، لهي أمر يقلل من قدرة الخصم على تفادي الضربة، أو الرد قبل وقوعها، وفي الوقت نفسه فإن قدرة هذه الأسلحة على المناورة، قد تسمح لها بالانطلاق في مسارات لا يمكن التنبؤ بها، ما يجعل من الصعب تعقبها وتدميرها، قبل اختراقها الدفاعات الصاروخية الجوية المعادية.
كما أن قدرة هذه الأسلحة على الطيران على ارتفاعات منخفضة، تُصعَّب مهمة الرادارات والدفاعات الصاروخية في العثور عليها أو اعتراضها، وفي هذا الشأن أصدر معهد السياسة الخارجية الأمريكية دراسة في مايو عام 2019م موسومة بـ (الأسلحة فرط - صوتية)، تحتوي على ثلاث أوراق سياسات ترسم الملامح العامة لهذه التقنية الحديثة وتطبيقاتها العملية والتهديدات الناجمة عن تطوير روسيا والصين لهذا النوع من الأسلحة، وإمكانية دخول العالم في سباق تسلح جديد، وعلى ذلك يؤكد المؤيدون لتلك الأسلحة على أن الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، تكون أكثر فائدة بشكل خاص في بداية المعركة، عندما يمكنها مهاجمة الأهداف المعادية عالية القيمة.
بما في ذلك رادارات الدفاع الجوي والقواعد المقاتلة، وبطاريات الصواريخ ومراكز القيادة والتحكم، إذ يمكن أن يساعد إعاقة هذه الأهداف بمرحلة مبكرة من الصراع، إلى تمهيد الطريق أمام الهجمات اللاحقة التي تشنها القوات الجوية والبحرية والبرية النظامية، والمعلوم أن الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تجمع بشكل أساسي بين سرعة الصواريخ الباليستية وقدرات المناورة لصواريخ كروز، لأن طيرانها بسرعة تبلغ (5) أضعاف من سرعة الصوت، يجعل تتبعها صعباً جداً مقارنةً بالصواريخ الأخرى التقليدية، وهناك واحدة من أكبر مزايا الصواريخ الحديثة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ولا تتمثل في السرعة فقط، لكن القدرة على المناورة الإضافية بهذه السرعات، تجعلها ذات خواص عملياتية مثل الأسلحة الهجومية والدفاعية.
ولأن الجزء الأكثر أهمية في أي سلاح يكمن في الحمولة، فقد يمكن للأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، إطلاق حمولات تقليدية أو نووية بشكل أساسي وبأي مكان بالعالم في غضون دقائق فقط، ويمكن إطلاق الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت بعدة طرائق، فيمكن إطلاقها من المراحل الأخيرة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أو التي تُطلق من الغواصات لتتخطي على طول الجزء العلوي من الغلاف الجوي، عبر استخدام محركات نفاثة متخصصة، أو يمكن إطلاقها بشكل مستقل، أو إطلاقها من على إحدى القاذفات، على غرار الصواريخ كروز.
علاوة على تقليلها وقت رد الفعل، وتمكنها من ضربات قاتلة وغير متوقعة، ويمكن لهذه الأسلحة، أن تجعل أنظمة الدفاع الحديثة الحالية غير فعالة إلى حد كبير، هذا بجانب أن الجيل الجديد والقادم من الأسلحة، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بشكل كبير، سوف يقلل وقت اتخاذ القرار ورد الفعل على المستويين (التكتيكي والاستراتيجي)، هذا ويعتقد كريستيان بروس وهو خبير بالشئون العسكرية الأمريكية أن الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات الناشئة، ستغير طريقة خوض الحروب، لكنها لن تغير طبيعتها، حيث ستظل كما هي دوماً تتسم بالعنف والشدة، ومن ناحية أخرى سيتسارع معدل إطلاق النار أو مدى سرعة إطلاق النار بساحات المعارك، بفضل التقنيات الجديدة، مثل الليزر وغيرها من الأسلحة الأخرى الموجهة.
ولكن الطفرة الحقيقية ستنشأ بفعل أنظمة ذكية، ستعمل على تقليل الفترة الزمنية بين وقت تحديد الأهداف ووقت مهاجمتها، ما يعني أن جيوش المستقبل ستكون قادرة على إطلاق النار بكثافة أكبر من الموجودة حاليا، بسبب الذخائر التي تفوق سرعة الصوت، كذلك ستكون الجيوش قادرة على مداهمة الملاذات الآمنة، مثل الشبكات الفضائية واللوجستية، وأضاف بروس بأنه لن تكون هناك مناطق خلفية أو ملاذات آمنة بعد الآن، فالقدرة على امتلاك نظم عسكرية ذات الكفاءة النوعية والكميات الضخمة ستكون له آثار مدمرة، خاصةً وأن التقنية تجعل الحمولات الفتاكة أقل حجماً وأكثر دماراً.