سارا القرني
الفُجرُ في الخصومةِ أمرٌ بتنا نعتاد رؤيته.. وإنّ الأسوأ من فعل هذا هو اعتيادُ رؤيته ليصبح عاديًّا بين الناس، كثيرٌ من المتخاصمين يعتادُ بعضهم إبراز عيوب بعض، هذا ينعت الآخر بالكاذب والآخر ينعته بالمنافق، لكنّ الأمرَ يتعدى هذا وذاك.. حتى يصل إلى الأعراض!
ليست تلكَ المبادئ التي ربانا عليها الإسلام.. فإنّ في الإسلامِ ما هو أولى من هذا وذاك، وهو تركُ الجدالِ أو المراءِ لتفوزَ ببيتٍ في الجنةِ وإنْ كنتَ مُحقًّا. لكن، الجنةُ موجودةٌ لمَن أرادها، فلن أكون في مقام الداعيةِ؛ فالناسُ أدرى بما يريدون، لكنّي أقفُ موقفَ المستغربةِ من كلّ هذا الفُجر في الخصومة.
أن تهاجمَ أحدًا في فكرتهِ لا يعني أنه يحقّ لكَ أن تهاجمهُ في شخصه، ناقشِ الفكرة ودَعْ صاحب الفكرة، ارفُضِ المبدأ ولا ترفضْ صاحب المبدأ. أخوكَ الذي يختلفُ معكَ في البيتِ لا يمكنُ أن تطردَهُ من العائلةِ أو تقتطعَ صِلَتهُ منها، وكذلكَ جاركَ في الحيّ والمدينةِ والدولة!
الدخولُ في الأعراضِ أصبحَ أمرًا شبه اعتياديّ.. وأخشى أن يصبح اعتياديًّا تمامًا بين الناس في خصومتهم، كم رأينا من قاذفٍ وشاتمٍ للأمهاتِ والآباء والأخوات والبنات! ومَنْ قذفَ عرضًا فكأنما انتهكَ حُرمةَ بيتٍ وتسوّرَهُ عُنوة، فأينَ شرف الخصومة؟!
قرأتُ فيما قرأتُ أنّ أحد الرجال الذين انتظروا النبيّ- عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرةِ عند بابِ بيتهِ ليقتلوه.. وبعدَ أن تأخّرَ مكوثهم، قال لأبي جهل: يا أبا الحكم، هل نحن قاتلون محمدًا؟ قال: نعم، قال: فَلِمَ الانتظارُ حتى الصّباح، لمَ لا نتسوّرُ عليه وندخل البيت ونقتله ونستريح؟ فقال له أبو جهل: وتقول العربُ أنّ أبا الحكم قد روّع بنات محمد في بيتهنّ؟! إنّه لسُبَّةٌ في العرب أن يُتحَدَّث أنّا تسوَّرنا على بنات العمّ وهتكنا الحرمة، لا واللّاتِ لا تفعلوا!
القصّةُ وإن فيها ما فيها من الغرابةِ أن يقول أبو جهلٍ هذا.. ولكن فيها من الصحّةِ أنهُ رفضَ التسوّر، فإذا كان خصمُ النبيّ- صلى الله عليه وسلم- مُعتدًّا بشرفِ الخصومة، فأينَ نحنُ من الاعتداد بها بين بعضنا ونحنُ المسلمون؟
أنْ تكون مُحقًّا لا يعني أن يكونَ لكَ الحقّ بالخوضِ في عرضِ خصمكَ حتى تثبت حقك أو تنفي مزاعم غريمك، وكلا الفريقينِ يملكُ لسانًا، لكنْ قَلَّ مَن يملك عقلا وشرفَ خصومة، ورغم كُفر عتبة بن ربيعة.. إلا أنهُ أعظَمَ خصومة أبي جهلٍ حتى قال: وددت لو كان خصومي كلهم مثله، ولم يكن في أنصاري أحدٌ مثله!