د. محمد بن صقر
جميع من يعمل في الجانب السياسي أو الإعلامي يدرك أن السمعة السياسية تعدُّ ركيزة أساسية في كثير من المجالات، فهي بمثابة البوابة الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية والثقافية والفكرية لكثير من الشخصيات السياسية والدول، فالسمعة السياسية لا تتعلق بما يفعله السياسيون ويقولونه، بل تتعلق أكثر بما يريد الناس رؤيته، فعندما يفكرون في ذلك السياسي أو سياسة تلك الدولة يتم الحكم من خلال ما يشعرون به. وهنا تكمن الإدارة السياسية في اتباع أسلوب وطريقة في أن يكون مركز الاهتمام ليس في ما أقوله بل فيما أريد الغير أن يفكر فيه، ومن أجل ذلك نجد أن كثيرًا من الدراسات والتقارير الدولية التي اهتمت بالسمعة السياسية من خلال رؤية الجماهير لها وجدت بعض العناصر في كيفية عمل السمعة السياسية، بمعنى أن أي سياسي يتصدر المشهد الإعلامي أو السياسي فإن التصور سيكون حوله بعناصر عدة وهي أولاً: في التنقيب العميق في الشخصية السياسية حيث سيكون محور اهتمام الجماهير، فعلى سبيل المثال عندما انتشرت الشائعات بشأن جنسية باراك أوباما، تعلق الكثير من الناس بهذه الشائعات باعتبارها حقيقة مقدسة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى العمق المزعوم للبحث. حتى عندما نقضت الحقائق الشائعات، تشبث الناس بالأكاذيب. والسبب في ذلك أن الجماهير تحب التشبث فيما تعتقده أكثر منها الالتزام بتصديق الحقيقة حتى لو خرجت لها تلك الحقيقة، ففي عالم السياسة، سيتم الكشف عن المعلومات التي يمكن اكتشافها، وتشويهها وإخراجها عن سياقها الحقيقي، وستخرج الهياكل العظمية التي كنت تعتقد أنها مخبأة بقوة في مقبرة التاريخ، أيضاً الأمر الثاني: أن السمعة السياسية تجعل الأشياء الصغيرة ظاهريًا أشياء كبيرة، وبتالي نجد الأشياء التي تبدو غير مهمة يمكن أن تتحول إلى قضايا تهز السمعة كالتحليل النفسي لذراع بوتين وكذلك التركيز على يدي ميشيل أوباما أو حركات بايدن أثناء إلقاء الخطابات، فهذه الأشياء تعدُّ أمورًا صغيرة لكن الجماهير تحاول أن تربطها بأمور سياسية أو ثقافية حتى يتم تشويه السمعة أو إبرازها بشكل إيجابي كخطابات غيفارا. الأمر الثالث: نجد أن السمعة السياسية تستغرق وقتاً حيث تسير بخطى سريعة ومتغيرة باستمرار، إلا أن القيام بذلك بشكل صحيح يتطلب الكثير من الإعداد الشامل. فقد تبدو الانفجارات في الأخبار السياسية عشوائية أو مصادفة، ولكن غالبًا ما تكون هناك آلة علاقات عامة قوية وراء الإصدار، فا يوجد شيء اسمه مصادفة في التشويه السياسي أو تحسين السمعة السياسية، فجميع تلك العمليات تخضع لمكينة علاقات عامة مدروسة وغالبًا ما يتم توقيت هذا الإصدار بعناية الأمر الرابع: يكمن في أن السمعة السياسية تنتشر من خلال الشبكات الاجتماعية في ظل خطر المبالغة في تقدير المشكلة، فالجماهير تحصل على الأخبار من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. بكل بساطة، وبتالي إذا ما تركت الجماهير لوحدها تحلل المواقف السياسية فهي ستكون معادية وتفكر بطرق عدم المصداقية أو تسعى لتشوية لأنها لا تثق في وسائل الإعلام الرسمية، وعادة ما تريد وسائل التواصل الاجتماعي الإثارة من خلال عنصر التشوية السياسي وتقديم المعلومات بغير سياقها الأمر الذي يجعل السمعة السياسية في خطر التشويه. إن الاهتمام بالجماهير بجعلهم يفكرون بما يريده السياسي هي الطريقة المثلى لبناء سمعة سياسية إيجابية وعدم جعل الجماهير تحت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عشوائي، فاختيار الجماهير المناسبين والمؤثرين هم أيضاً أحد أهم الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار في معرفة كيفية عمل إدارة السمعة السياسية.