عثمان بن حمد أباالخيل
بيتنا الطيني المتواضع الصغير في مساحته الكبير في ذكرياته في حي الشريمية في مدينتي الجميلة باريس نجد عنيزة الذي أصبح أثراً بعد عين لا يزال شامخا في ذاكرتي وكيف أنسي ذكرياتي. بيتا الطيني أصالة تفوح بعبق التاريخ، أعيش أحداث الماضي وكأنها تحدث اليوم. بيتنا الطيني الذي له ذكريات جميلة ومواقف أجمل مع عائلتي وأصدقاء الطفولة والجيران وزملاء المدرسة السعودية الابتدائية ومتوسطة فلسطين وثانوية عنيزة، مهما بلغ الإنسان من العمر ستبقى بداخله ذكريات محفورة للأبد حيث يصعب نسيانها مهما طال عليها الزمان وفرقتها الأيام. لماذا نحن للماضي؟ ربما الأحاسيس والمشاعر هي التي ما زالت تؤمن بالذكريات باسترجاع اللحظات حين يغفو العقل بعيدا عن الواقع بكل ما يحمل من جمال.
«تقضي في دجى الأشجان عمري
وعشت على الأماني والهموم»
شاعر عنيزة صالح الأحمد العثيمين، رحمه الله. عشرات الآلاف يحنون إلى الأحياء القديمة والشوارع الضيقة الملتوية والمتداخلة. يتذكرون طفولتهم، وريعان أعمارهم، يتذكرون مدارسهم التي درسوا بها، المعلمين والمعلمات، المخبز الذي يعمل به ابن الوطن، الجزار (القصاب)، يتذكرون الفلاح، الفلاحة، الخراف، يتذكرون لعب كرة الطائرة بعد صلاة الفجر، يتذكرون ليلة العيد وجمالها، يوم العيد وجماله. يرحم زمان وليالي زمان، رمضان اختفى من حياتنا وظهر في العالم الافتراضي. ذكريات الماضي الجميل لا تموت بل تنبض بأرواحنا. أحن إلى الجلوس جانب عامود الكهرباء الوحيد في حينا، أحن إلى الوقوف على سطح البيت أراقب أذان المغرب في شهر رمضان. أحن إلى بيتنا الطيني الذي تحول إلى أطلال.
«هذي عنيزة ولا أدري وش اسميها
الشمس والا القمر والا السماء العالي»
شاعر عنيزة المبدع عبد العزيز الجميعي
تلك الحالة بما فيها من حنين للماضي، تأتي مع تسارع وتيرة الحياة والانشغال بتفاصيلها التي ترهق العقل والقلب والروح؛ وشعور بأن السنوات مرت سريعا كالبرق، إرجاع الذكريات ولو لدقائق في زمنها تعادل سنوات من جمال الماضي مع العلم أنه كان ماضياً يختلف على تسمية الكثير من جيل الزمن الجميل. لا يقتصر تعلقنا بالماضي على المشاعر فقط، بل كثيرا ما نترجم هذا الإحساس إلى تصرفات كالولع باقتناء التحف الأثرية القديمة التي كانت جزءا من حياتنا اليومية البسيطة الجميلة.
(لها ميزه على غيره وفر ماها... ومرعاها أفاخر به وأماري به ومن عاداه يعادينا) الشاعر عبدالله صالح الرميحي.
ليس لدي شك أن الحنين إلى الماضي يشحن الدماغ بطاقة إيجابية يريح الاعصاب ويبعد هموم الحاضر فكيف إذا أتت الطاقة الإيجابية من ذكريات مديني الجميلة عنيزة. كم هي جميلة عنيزة في ربيعها وشتائها وصيفها وخريفها، كم هي جميلة بحاضرها الجميل المشرق الممزوج بعمق وتاريخ الماضي. تسألني أمي رحمها الله واسكنها فسيح جناته (وين رايح) أجبيها (عند الباب عند اللمبة) اللمبة الوحيدة في حينا.