عطية محمد عطية عقيلان
الأديب الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز، الحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1982م، عانى في آخر عمره من الزهايمر والخرف، وكان صديقه يجلس بجانبه، فقال غابريل له: «أنا لا أعرفك، ولكني أعرف أني أحبك»، فالشعور لا يختفي حتى مع الخرف، وهي أعلى مراتب الإحساس الإنساني الذي يجمل الحياة ويرتقي بالعلاقات، وهي مكملة لمقولة نيلسون مانديلا «الشعور بالآخرين، حاسة سادسة، لا يمتلكها إلا الأنقياء»، والإنسانية هي أعلى المشاعر التي يمكن أن يتصف بها الإنسان، لأن في طياتها تحمل الرحمة والحب والعطاء والسعي بالخير والعدل والإيثار والعديد من الصفات الإيجابية التي نطمع أن نتصف بها، وهذا يأخذنا إلى سعينا طيلة حياتنا بالبحث عن الحصانة، منذ أن سكن الإنسان المنازل، لتحصنه من عوامل الطبيعة وتحميه وتستر عليه، والصيد والعمل وطلب الرزق لتحصنه وتسد حاجته وتجنبه الاعتماد على الآخرين، وحتى في الطب وتطوره، نسعى للتحصين من الأمراض المعدية، فنعطى تطعيمات منذ الولادة ضد الكثير من الأمراض المعدية والفيروسية وتستمر حتى في الكبر وعايشنا كورونا والتطعيمات التي قمنا بها لنتحصن من الإصابة به، فالحصانة هي مفهوم أمان وحماية واستقرار للإنسان الفرد في عدة مجالات سواء من القوانين والمساءلة أومن الحاجة أومن التعرض للأمراض... ويبقى فئة فريدة في مجتمعاتنا، يطورون أدواتهم وأفعالهم، لزيادة وإضافة «حصانة إنسانية» عليهم، تراهم بشوشين ودودين، سهلين لينين، يتصفون بالعدل والتسامح، ويصل خيرهم لكل من يعرفهم، ويغبطهم كل محب وحتى كاره، وفي شهر رمضان الكريم هي فرصة لنا، للعدوى منهم وزيادة مناعتنا والاستزادة بالحصانة الإنسانية وبالطاقة القصوى المتاحة، من خلال عدة أمور:
- البدء بالتواصل مع صلة رحمك بالزيارة والدعم المادي والإعانة على مصاريف الحياة، ومع والديك صلهم بالدعاء والصدقة والتواصل الشخصي للحي منهم وملازمتهم في كل إفطار.
- شجع نفسك وذريتك وزوجتك، على الصدقات والقول اللين الهين والدعاء والتسامح على من حولهم.
- طبق جبر الخواطر بحدوده القصوى، بالكلمة والدعم والتحفيز والجاه والمال لمن حولك وينتخي بك.
- فعل التواصل مع كل من قدم معروفا أو خدمة أو موقفا إيجابيا في حياتك، وتذكر جميلهم وحسن ما قدموه، وتناسى السوء الذي بدر منهم، لأن المعروف لا ينكره إلا جاحد وخسيس، وقال السلف سابقاً، استكثروا من الشيء الذي لا تأكله النار، وهو المعروف.
خاتمة: سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، مليئة بالمواقف التي تحكي عن الجانب الإنساني الذي انعكس على من حوله، الصغير قبل الكبير، والقريب والبعيد، وكانت سيرته العطرة، تمثل أقصى درجات «الحصانة الإنسانية» لبشر، ومنها حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إني لأقوم في الصلاة وأريد أن أُطَوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه» رواه البخاري، فلتكن قدوتنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، للاستزادة في تحصين أنفسنا بالإنسانية مع القريب والبعيد، زادنا الله حصانة في إنسانيتنا وأخلاقنا نحو الأفضل في هذا الشهر الفضيل.