علي الخزيم
بدايات السعادة عندي أني لا أهتم لما بيد الآخرين، وإيماني بأن ما يهبه الله لهم من خيرات فهي لن تنتقل إليَّ حين أغبطهم أو أحسدهم، فهي مُقدرة لهم بعلم الله سبحانه وتدبيره، ولأني آمنت بأن كل سوء يصيبني أو خير أناله فهو من عند الله جل شأنه ولا حول لي ولا قوة بجلبه أو منعه الَّا بالله والتوسل إليه، وليقيني بأن مِن أُسس معايير السعادة القرب من الله بالطاعات وتجنب ما يُعكِّر صفو الآخرين بقدر ما أوتيت من فهم ووعي، ولمعرفتي بأن السعادة لن تركض إليَّ ركضاً بل أنا من يسعى إليها والتماس أسبابها، ولم أركن يوماً لما يقولون إن للسعادة يوماً سنوياً عالمياً للتذكير بها هو 20 مارس؛ فالسعادة التي أنشدها وأرجوها لا تُقَيَّد بوقت محدد وإلَّا فلن تكون سعادة مكتملة الأركان، وحين أتأمل المعايير التي تُعلن هنا وهناك لا سيما ببلاد أوروبية على سبيل المثال أجد أنها تَنْصَبّ على المال والرفاهية الوقتية نهاية الأسبوع، وما إلى ذلكم من الأمور المادية، وكما يقول أحدهم حين سُئِل عن السعادة؟ فقد أخرج من محفظته نقوداً وأشار إليها بأنها هي السعادة وليس غيرها، فهذا منطق يؤكد بأن تفسير السعادة يختلف من إنسان لآخر ومن مجتمع لغيره.
وبقياسات أسباب السعادة لدى الشعوب قالت تقارير متكررة لأعوام عدة تناقلتها وسائل إعلام محلية وغيرها بأن المملكة العربية السعودية - بفضل الله - تتربع على مقعد شامخ بمجال سعادة ورفاهية وجودة حياة المواطن السعودي ومن يُقِيمون بأرضها، على أن الجهات المختصة تُكرّس مفاهيم الاحتفاء بمعاني السعادة وجلب أسبابها وتُنمِّي الدوافع لتحقيقها كسبيل من سبل رفاهية الفرد والمجتمع بما يباح وما يُتعارف عليه، فمن معايير السعادة هنا بمملكة الإنسانية شمولية العدل والأمن والتعليم والصحة وجودة المعيشة وسبل الحياة الكريمة كافة، وهنا الفرق بين استطلاعات السعادة عندنا وعند بعض المجتمعات الغربية مثلاً التي تركز على جوانب مَحليَّة وعادات وتقاليد خاصة بهم ثم يكون التقييم بأنهم أسعد خلق الله، ولا يرون للشعوب الأخرى قيمة تُذكر بمجال السعادة نظراً لاختلاف المقومات بين المجتمعات لكنّهم يعلنون أن تقييمهم بمعاييرهم هو العالمي وما سواه لا اعتبار له، وبالمثل: فإني لا أرى لقياسهم أي اعتبار ولم أنتظر منهم أن يقيسوا لي مدى سعادتي، ولا أقتنع بإملاءاتهم للشعوب لتحديد معنى ومعايير السعادة.
وليس من المُعيب أن يطلب الإنسان سعادة نفسه ورفاهية يومه، لكن دون أن يلهث خلف ما يَرى أنها من مصادر السعادة بينما هي ستكون وبالاً عليه بدنياه وربما بآخرته جهلاً منه ولسوء التقدير الشاطح، فاستعجال واستجلاب السعادة بالطرق المُعوَجَّة قد يكون هو السبيل للشقاء والكآبة والعِلل النفسية، فيكون كمن أراد أن يجعل له يوماً للسعادة فكان يوماً للنكد وسوء المنقلب، وحين يتباهى أُناس بأقاويل بعض فلاسفة الغرب حول مفاهيم السعادة؛ فإني أتلو قوله تعالى بالآية 97 النحل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.