خالد بن حمد المالك
شهدت إسرائيل ولأول مرة مظاهرة احتجاجية واسعة من الإسرائيليين، تعامل معها الأمن الإسرائيلي بالتفهم وتجنب الاصطدام مع المتظاهرين، خلاف ما كان يفعله مع الفلسطينيين الذين كان يتم استخدام الرصاص الحي معهم، وكانت المظاهرات سلمية إلا من اختراقات محدودة لبعض الحواجز دون عنف أو إصابات، وإن استخدمت خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين من بعض المواقع دون أن تفلح في تفريقهم.
* *
المظاهرة سببها إقالة وزير الدفاع نفتالي من منصبه، والإقالة جاءت بسبب تصريحه المعارض لخطة التعديلات القضائية التي فُهمت على أنها خروجٌ على سياسة الحكومة، ما جعل رئيس الوزراء يستجيب لضغط بعض أعضاء الحكومة الائتلافية فيقيله من منصبه، ما فجّر الوضع في إسرائيل مطالبين باستقالة نتنياهو.
* *
وكانت أمريكا أول من أصابها الرعب والخوف من قيام المواطنين الإسرائيليين بالتظاهر ضد الحكومة، ودعت زعماء إسرائيل إلى تسويةٍ بأسرع وقت ممكن، وزادت على ذلك بأن المظاهرة سوف تؤثر على أمنها وجيشها، وقد تضعف الدولة بالكامل، أو هكذا استنتجت أمريكا تداعيات التطورات في إسرائيل لاحقاً.
* *
واضح أن إسرائيل تمر بمرحلة من الخلافات الداخلية، لكنها هذه المرة ظهرت على السطح، وانكشف ما كان مستوراً، وتأكد للمتابع أن دمدمة القضايا المسكوت عنها لم يعد ممكناً في ظل ما أسموه دكتاتورية رئيس الوزراء، وعنصرية حكومته التي ألفها بالتحالف من عدة أحزاب.
* *
حتى حزب رئيس الوزراء لم يكن بكامل أعضائه مع نتنياهو، بدليل مطالبة الليكود بأن لا يقبل أيُّ أحد من أعضاء الحزب بأن يكون بديلاً لوزير الدفاع المقال، وإن فعل أيُّ واحد فإن هذا يسجل عاراً عليه، بل حتى أعضاء الحكومة فبعضهم يشد أزر رئيسهم للصمود، وآخرون إما أنهم صامتون أو يهددون بالاستقالة، أو الاكتفاء بتصريحات غير مريحة لنتنياهو.
* *
في ظل ذلك رضخ نتنياهو وقرر تعليق قراره بالتعديلات القضائية، لكن هذا غير كافٍ، وقد لا يوقف المظاهرات، وهناك مشكلة أخرى مع عناصر الاحتياطي في الجيش الذين يرفضون أداء الخدمة لأسبابهم هم الآخرين.
* *
إغلاق الموانئ، وتوقف رحلات الطيران في مطار (بن قورين) بسبب الإضراب، وما قاله رئيس الوزراء السابق من أن إسرائيل تمر بأكبر خطر منذ حرب 1967م، وما أعُلن من الجيش الإسرائيلي عن رفع حالة تأهبه بعد أن ظهر له أن السيطرة داخل إسرائيل بعد التطورات الأخيرة قد فُقدت، كلها وغيرها تُظهر أن إسرائيل في وضع سيئ لم تشهده من قبل.
* *
الفلسطينيون التزموا الصمت، حتى لا يفسدوا ما يجري بين الإسرائيليين بأمل أن يكون لصالحهم، فتوقفوا عن أي عمليات اعتادوا على القيام بها للانتقام لقتلاهم، في أجواء يرى زعيم المعارضة (لابيد) أن حكومة نتنياهو فقدت بوصلتها وأصبحت تشكل خطراً على إسرائيل.
* *
هناك مؤشرات كثيرة تشير إلى قرب سقوط الحكومة، وأن تعليق التعديلات القضائية الذي أعلن عنه نتنياهو غير كافٍ للقبول باستمرار الحكومة الحالية، التي تضم مجموعة من الوزراء العنصريين المتهورين، ممن كانت جميع قراراتهم تصب في التصعيد سواء مع الفلسطينيين أو مع الإسرائيليين، واستقالة الحكومة ربما تكون مسألة وقت، فقد أعلن وزير العدل بأنه سيستقيل إذا ما علّق رئيس الوزراء التعديلات القضائية.
* *
لقد حاول المحتجّون أمس محاصرة منزل نتنياهو، والكنيست، ما ينم عن إصرار المحتجين على إسقاط الحكومة التي تضم الغلاة والعنصريين، وذوي التوجه الذي لا يعترف بوجود شعب فلسطيني، ويطالب بضم أراضٍ أردنية لدولة إسرائيل، وإلغاء ما تم الاتفاق عليه بشأن غزة وأراضي السلطة الفلسطينية.
* *
ائتلاف الحكومة الإسرائيلية يرون أن إقالة وزير الدفاع خطأ إستراتيجي ارتكبه نتنياهو، وبالمثل يرى زعماء المعارضة في البرلمان الإسرائيلي بأن نتنياهو تجاوز الخط الأحمر، وهو ما يشير إلى تورط رئيس الوزراء وحكومته بما أجج الصراع الإسرائيلي - الإسرائيلي الذي كان يحاط بالسرية، ولا يفصح عنه.
* *
وبينما يستقيل القنصل في سفارة إسرائيل بأمريكا، ويهدد وزير العدل بالاستقالة من الحكومة إذا تراجع نتنياهو عن التعديلات القضائية، يرى مسؤولون في الليكود أن وزير العدل هو من وضع البلاد على شفا حرب أهلية وعليه أن يستقيل، وهو تأكيد آخر على حجم الصراع الداخلي الذي يهدد استقرار إسرائيل بأكثر مما يجري الآن.
* *
إذاً كل الاحتمالات مفتوحة وعلينا أن نتوقع مستجدات أخرى على الساحة الإسرائيلية، لكن تقدير حجمها وخطورتها واستمرارها، يتوقف على أداء حكومة نتنياهو في التعامل مع هذه التطورات غير المسبوقة في الدولة الإسرائيلية منذ إنشائها.