د. تنيضب الفايدي
اشتهرت مكة المكرمة بجبالها وسهولها والكثير من الأودية، ومن تلك الأودية، وادي نعمان... وهو من أكبر أودية مكة المكرمة، ويقترب منها مع امتدادها حيث تقع جامعة أم القرى حالياً بالقرب منه إن لم تكن أخذت جزءاً من وادي نعمان، يقول الحموي في معجم البلدان (7/ 339): «نَعْمان بالفتح ثم السكون وآخره نون، هو فعلان من نعمة العيش وهو عضارته وحسنه، وهو نعمان الأراك: وهو وادٍ بنْيتُه ويصبّ إلى ودان، بلد غزاه صلى الله عليه وسلم، وهو بين مكة والطائف، وارتبط تحديد وادي نعمان بما يلي:
- يقع وادي نعمان جنوب عرفة، وتتصل أرضها بجزء منه، ويذكر في الشعر مرتبطاً بها.
- لكثرة ما يقال في وادي نعمان يتعدد ذكر منى مع أنه لا يتصل بمنى ولكن ذكر من باب القرب. حيث قال الشاعر أبو حيه النمري متغزلاً:
تَضَوَّع مِسْكاً بَطنُ نَعْمانَ إذ مَشَت
به زَيْنَبٌ في نِسوةٍ عَطِراتِ
تهادَيْنَ ما بينَ المُحَصَّب مِن منىً
وأقبلنَ لا شُعثاً ولا غَبراتِ
مَرَرْنَ بِفخٍّ ثم رُحْنَ عشيةً
يُلَبّينَ للرحمن مُعْتَمِراتِ
يُخبئْنَ أطراف البنان من التقى
ويَقْتُلنَ بالألحاظ مُقتدِراتِ
- رُبِطَ موقع وادي نعمان بجبل كبكب ويقع هذا الجبل بين وادي نعمان في الجنوب الشرقي وعرنة في الشمال الغربي، كما اشتهر وادي نعمان بشجر الأراك ولا زال هذا الشجر يغطي جزءاً منه، قال عمر بن أبي ربيعة (وهو ابن مكة):
تخيرتُ من نعمان عودَ أراكةٍ
لهندٍ ولكن من يبلّغه هندا
- وما أكثر الشعراء الذين أثار وجدانهم نعمان فهذا الشاعر أبو الفوارس يتذكر منازله في نعمان ويتذكر شجر الأراك حيث يسمّى وwادي نعمان بوادي الأراك:
نزلنا بنَعمان الأراكِ وللنّدى
سقيطٌ به ابتلَّتْ علينا المطارفُ
فبتُّ أعاني الوجدَ والركبُ نوَّمٌ
وقد أخذتْ مني السُّرى والتنائفُ
وأذكر خوداً إن دعاني إلى النوى
هواها، أجابته الدموعُ الذّوارفُ
لها في مغاني ذلك الشِعْبِ منزلٌ
لئن أنكرتْهُ العينُ فالقلبُ عارفُ
وقفتُ به والدمْعُ أكثره دمٌ
كأني من جفني بنَعمان راعِفُ
ويذكر جبل نعمان، وجبلا نعمان، وجبال نعمان، هذه الجبال ترد في الشعر مع وجود اختلاف في تحديده، ولكن وادي نعمان لا خلاف في تحديد موقعه وفق ما ذكرت سابقاً، وإذا ذكر وادي نعمان فكأنما يُذْكَرُ شعر الحبّ حيث تغنّى به الشعراء كثيراً في الجاهلية والإسلام، وقد يكون وادي نعمان بعيداً عن موطن محبوبة الشاعر ومع ذلك يستشهد به، قال قيس بن الملوح في قصيدته المشهورة:
تذكرتُ ليلى والسنينَ الخواليا
وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا
ألا أيها الركب اليمانون عرِّجوا
علينا فقد أضحى هوانا يمانيا
نُسائِلكُمْ هل سال نَعمانُ بعدنا
وحبَّ إلينا بطن نَعْمان واديا
عهدنا به صيداً كثيراً ومشربا
به ننقع القلب الذي كان صاديا
وقال جرير :
لنا فارطَ حوضِ الرسولِ وحوضِنا
بنعمان والأشهاد ليسوا بغُيّب
وقال الفرزدق :
دعونَ بقُضبان الأراك التي جَنَى
لها الركبُ من نَعْمان أيام عَرّفوا
يشتهر وادي نعمان بجوّ نظيف ولطيف، حيث نقاء الهواء والنسيم العليل وخاصة في فصل الربيع، وتكثر فيه النباتات منها إضافة الأراك أشجار السمر وهو الأكثر والسدر والسلم..إلخ، قال الشاعر:
يا ليلتي بذات الشيح والضال
ومنبت البان من نعمان عودا لي
ويا مرابع أطلالي بذي سلم
لهفي على ما مضى من عصرك الخالي
كما تمرّ بهذا الوادي الشهير عين زبيدة المشهورة حتى تصل مكة المكرمة، ولاتزال خرزات (فتحات) العين موجودة، وقد اقترب وادي النعمان من مكة المكرمة وسيصبح حياً من أحيائها.