أحمد المغلوث
كان يجلس على دكة دكانه المفروشة بقطعة سجاد صغيرة وضع عليها «دوشق» ابيض وتكاد تقفز منه العصافير والورود المطرزة من بعض زواياه راح يداعب حجي صالح حبات سبحته وهو يتمتم بأدعية التسبيح التي يحفظها عن ظهر قلب مثل ملايين الملايين من المسلمين لكنه اليوم ضاعف من تسبيحه وأدعيته كان رجلا سمحا ولين العريكة سهل المعشر لطيفا وودودا فهذا أول يوم من شهر رمضان المبارك وكان محبوبا من تجار السوق وباعته. وقبل نصف ساعة شارك العشرات منهم صلاة العصر جماعة في الجامع. والجميع يحتاجونه كونه من باعة المواد الغذائية وعادة تتضاعف طلبات سكان المدينة. بعضهم أرسل أولاده لمنزله ليجهز لهم مونة رمضان لكن اليوم مختلف فلديه طلبات عديدة من المفروض أن تكون جاهزة فبعض الطلبات ليس موجودة في الدكان وعليه أن يكلف صبيانه أن يجلبوها من مخرنه في أحد البيوت خلف القيصرية. ولكن وما اصعب ولكن هنا احد عماله ذهب قبل أسبوعين إلى مكة برفقة والدته للعمرة فطلب منه أن يقوم بتأمين عامل بديل. وهذا ما حصل فموسم رمضان المبارك تتضاعف فيه الطلبات وكله خير وبركة. اتسعت عيناه وهو يتابع خادم الدكان والذي كان منشغلا في تجهيز بعض الطلبات العاجلة. وراح يوصيه بالهمة وعدم التأخير. وعدم نسيان طلبات زبائنه القدامى قبل الجدد. ما هي الا لحظات واذا بأحدهم يحمل على رأسه «مرحلة خوصية» برزت منها بعض الكراتين والاكياس الصغيرة كان طويلا ونحبفا رافعا ثوبه السواحل عن ساقيه النحيلتين ورابطا وسطه بحبل طوق به ثوبه. كان يترنح من ثقل حمله وعينيه المتعبتين تكادان تصرخان وهما محمرتان واحدى يديه المعروقة ممسكة «بالمرحلة» كان يسير الهويني لا يرى الطريق أمامه. في تلك اللحظة تعثر في حصاة كبيرة فهوى على الأرض المتربة بما يحمله فتطايرت وتناثرت محتويات «المرحلة» وتراكض بعض المارة وصبيان الدكاكين والحوانيت فقال احدهم سلامات يا صالح سلامات. وراح بعضهم يرفعه عن الأرض من كتفيه وهناك من بسمي عليه وكان وجهه قد اصيب ببعض الكدمات واختلط التراب المبلول بالماء والذي كان له رأئحة خاصة فبعضه التصق بوجه مخفيا شاربه الخفيف. والبعض الآخر خاصة من يعرفه من صبيان القيصريه يواصلون مواساته وهم يحمدون الله على سلامته مرددين ما تشوف شر يا صالح وهناك من قال: تعيش وتأكل غيرها. وعندما اعتدل واقفا راح يقول: صالح طل.. وثوبه مبتل . رددها اكثر من مرة وهو يتألم ويتأوه. وما انتهى من ذلك واذابحجي صالح يندفع اليه من «الدكة» وهو في حالة غضب: أنا صالح طل. انا صالح طل. فرد عليه لا يا عمي أنا اسمي صالح ومثل ما تشوف هل انا صالح . صالح ويطيح صالح طل وثوبه مبتل. عاد أفهما يا عمي.. فرد عليه حجي صالح. لا بأس لا بأس مادام سلم الرأس وأنت بخير فهمت يا ولدي اجل اسمك صالح فهز الحمالي صالح رأسه. وقال معقبا نعم يا عمي فرد عليه حجي صالح أبشر بالعوض فطورك اليوم عندي في البيت المهم توجه الآن لعين الحارة وأسبح واغتسل وبعد الإفطار توجه. للدكان ويعطيك الصبي «أغراض» لبيتكم للشهر الكريم ولقد اوصيته بك خيرا والحمد لله على سلامتك.. عندها انحنى على رأس حجي صالح وراح يطبع القبلات على رأسه وهو يبكي فرحا. ويدعو له بالخير وطول العمر..