د.عصام حمزة بخش
ولى الإسلام المرأة اهتمامًا كبيرًا ونظر إليها نظرة تكريمٍ واعتزازٍ، فالمرأة في الإسلام هي الأم والأخت والابنة والعمة والخالة والجدة والزوجة شريكة الرجل في تحمل مسؤوليات الحياة، وقد كلَّفها الله مع الرجل في النهوض بمهمة الاستخلاف في الأرض، وتربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة سوية، وجعلها على درجة واحدة مع الرجل في التكريم والإجلال.
يؤمن المسلمون أن الإسلام قد أعطى المرأة حقوقها بعد أن عانت في الجاهلية ما قبل الإسلام من ضياعها من أهمها الحق في الحياة, حيث أصبحت الآن في درجة من التكامل مع الرجل في تسيير دفة الحياة والنهوض بالمجتمع.
يتفق علماء المسلمين إلى حد كبير على أنه في بداية الإسلام وتحديدًا في أوائل القرن السادس الميلادي، وسَّع رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه حقوق المرأة لتشمل حق الميراث والتملك والزواج والنفقة وحقوقًا أخرى.
كما نهى رسولنا الكريم عن الإساءة للنساء وأمر بمعاملتهن بالحسنى والرحمة فقال في حجة الوداع: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قولي».
ويقول صلوات ربي وسلامه عليه: «أَكْمَلُ المؤْمِنين إيماناً أحْسَنُهم خُلُقاً، وَخِياركم خيارُكم لِنِسائهم». ويقول أيضاً: «اللّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ». أي عاملوهما برفق وشفقة، ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه، ولا تقصِّروا في حقهما.
كما ذكرت كتب السيرة أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام وقبل وفاته بأيام قليلة خرج على الناس وكان مريضًا بشدة وألقى آخر خطبة عليهم فكان من جملة ما قاله وأوصى به: «أيها الناس، الله الله في الصلاة، الله الله في الصلاة», وظل يرددها إلى أن قال: «أيها الناس، اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء، أوصيكم بالنساء خيراً».
فأين نحن الآن من إجابة للدعوة التي أمر بها المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه, بأن لا نتعالى على المرأة ولا نقدر مكانتها, ولا يهمنا من أمرها شيئاً سواء فرحت أم حزنت لسؤال أو لرغبة تود تحقيقها ولسماع لخاطرها, بحجة إنني أنا ذاك الرجل ذو الكلمة المسموعة والمتسلط وعليها التنفيذ دون إبداء أي رأي.
بل تعدى ذلك أيضاً بالتقليل والتصغير لمكانتها التي وهبها لها ديننا الحنيف.
رغم الآيات والأحاديث الدالة بفضل الإحسان والتلطف واللين لسماع وجهة نظرهن, كان ردًّا على سؤال أم عمارة الأنصارية لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء. فكان رد الله جل وعلا عليها تكريمًا للنساء جميعاً وتأكيداً على المساواة التامة بين النساء.
يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (النساء: 124), وبهذا يؤكد المساواة التامة بين الذكر والأنثى, ولأن الرجل والمرأة خلقا من نفس واحدة، فقد جعل الله التقوى هي مقياس التفاضل بينهما، بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1).
سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضًا من الرجل، كما حد من طغيان الرجل فجعله بعضًا من المرأة.
لذا فقد بشّر الله تعالى المؤمنين، الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ويدعون الله، بالغفران والوقاية من النار، ويأتيهم ما وعدهم على لسان رسله بقوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} (آل عمران: 195).
إن الله جل وعلا يساوي بين الذكر والأنثى في العمل والجزاء، ولا يفضل الرجل على المرأة التعبير الإلهي {... بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ...}.
إن المرأة تحب رجلها لأنه ليس أقوى الرجال ولا أجملهم ولا أغناهم, بل لأنه هو بضعفه وقوته, والحب ليس استعراض قوة لكنه طاقة مليئة بالعطاء الدائمة, فكن أنت ذاك الرجل السعيد الذي خلفك تلك القارورة التي لا تفارق الابتسامة شفتيها.
بل تعدى الأمر ووجدنا أنفسنا, في مواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة, بأن جعلنا المرأة محلاً للسخرية والاستصغار لمكانتها ونكيل من نكات وضحكات ضدها, كما يرى ويسمع ويشاهد الجميع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.