عبدالمحسن بن علي المطلق
ربما لا أذكر شخصيتين تأثّر بهما علم عصرنا الكبير.. ابن باز، عليه شآبيب الرحمة وهو مثال ما زالت قائمة آثاره، مما لا أظن من بلغ شأوه بعهدنا إلا ما شاء الله، بمثلهما:
ابن تيمية (شيخ الإسلام) المتوفي ختام سنة 728هـ رحمه الله، و(شيخ العقيدة) بهذا الزمان/ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ.. ابنِ سُلَيْمَانَ التَّمِيْمِيُّ (1115 - 1206هـ) (1703م - 1791م)، العالم السني الحنبلي، الذي كتب الله على يديه من الخير العظيم والنفع العميم، فحسبه ما توجّه تلقائه من تنقية العقيدة من كثير مما شابها، درجة أن أمسى لقبه (الشيخ) خياراً وحيداً لبقية أسرته كرامة لصيته، و(جزاءً) وفاقاً -مماثلاً- صنيعه، عليه من ربّه سحائب الرحمات غوادٍ رائحات.
فالشيخ حسبه أن كل النسل من بعده ترك التعريف العائلي، بل حتى القبلي -التميمي- يُكتفى بهذا النسب إليه طُراً، أي: (آل الشيخ).
كما وأن تأثيره بالأسرة عجيب، فقد كان ميدان الجدّ (العلم الشرعي). هو المضمار الذي مآد بأغصان شجرتهم، حتى وكأن بينهم وبينه خفيّ ..ما لا يرى العِبر عائمه، من تنافس محموم، ومحمود .. ولا شكّ بهذا، فتستحضر قوله صلى الله عليه وسلم: (لا حسدَ إلا على اثنتينِ رجلٌ آتاه اللهُ مالًا فهو ينفقُ منه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ ورجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فهو يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ) متفق عليه.
فذكْر نبيّ الرحمة عليه الصلاة والسلام الرجل الذي آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، والرجل الذي آتاه الله مالاً فسلطه في هلكته في الحق.
فذكر الأمرين لكنه ذكر القرآن بدلاً من الحكمة.. في حديث أبي هريرة في البخاري.
فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا يقول: لا حسد، أي: لا غبطة إلا في اثنتين، يعني: لا يوجد ما يُغبط عليه الإنسان ويتمناه من أحوال الناس وما أعطاهم الله إياه إلا في صفتين وخصلتين..
و(الأخيرة) هي التي حلّت بين فُراد القوم، ألا فأنعم بالفرسان.. والمضمار معاً.
ولأن ذكرت ممن أعرف (معرفة مباشرة) سبط عمّتي حصة بنت صالح المطلق -رحمها الله- الدكتور حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ (الأستاذ المساعد في جامعة الإمام محمد بن سعود سابقاً).
والذي بالمناسبة رحل (يوم الأربعاء الثاني من هذا الشهر-شعبان- 1444 هـ) رحمه الله برحمته الواسعة وجعله ووالديه في عليين، ففيه من اللطف الذي بلغ مدى قلما يضاهى، لكني لا أذكره لطويّة عاطفة تحملني قِبله.. فحسب (وإن كان يستحق وربي)، إنما مبعث أسطري/ ما ورِثه من جدّه الكبير، وهي «غيرته» على العقيدة، وهذا الداعي مهيمن على أي داعٍ آخر فلا عجب فقيدنا الغالي (أبا عبدالإله) حين يحاكي الفرع منكم الأصل..
هل ينبت الخطي الا وشيجه
وتُغرس إلا في منابتها النخلُ
بأن يستشرف الصنعة، وقد تشرّب منها الماء، وامتشق المرعى، فأنتم من سلالة تلك القامة التي إن كان لعصرنا مفخرة يُباهي بها، فهو ذاك (الإمام.. الهُمام)، ما لا أماري إن قلت حسب ذاكم - العرق- أن يُستنفر من مثلك ليؤطِّر لنا مادة دسمة بين دفّتي كتاب، حمل اسماً سامي المرمى: «(وقفات فقهية).. في تعريفات لا بدّ من التذكير بها في مفهوم العبادة على ضوء الكتاب والسنّة» وهو مؤلفٌ زخم ناهز الـ200 صفحة لكنه غني بالمعاني، رصين المباني.. باسق المرامي ..
هذا ولعلي أسند مقالتي (شهادتي) لهذا العطاء، فأذكر وأنا ممن مراوحه بين الكُتب.. ما أوقعني انبهاراً من طرح حبيبنا ذي الإحسان (حسين) غفر الله له .. وجدير ذكره بحقّه ما يلزم الإشادة أن له في باع الكتابة (جُهداً) لا يضام، فالحبيب ذو القلب الرطيب عنده مؤلّف آخر له من الثقل، فحسبكم عنوانه «(الشرك بالله).. وشيء من تاريخه في الأرض»، عدا مقالات جمّة، فمنها ماهو في الصحف منشورة، وأخرى ربما ضمّنها لعطاءات هي في طور بلورةٍ وما يتفق ووجهها، وهناك ما قد تكون خرجت للنور.. لكني لم أحظ بها، أو أحط بها خُبراً، لأقول في عطائه هذا من نفائس، إن لم يكن الكتاب ذاته في مادته أثيرٌ ومغرٍ، ولولا ضيق المساحة لذكرت نماذج، على أني لن أحرم القارئ إحداها، فمن بين تلكم ما هي حسب (زعمي) لا أذكر اطلعت عليها من قبل..
حين يأتي على (الركن) فيسوق له.. بمثال ليتضح المقال، كما جاء «ص22 /23»:
[ للعبادة أركان وشروط.. فأما ركناها فهما: الإخلاص لله تعالى، واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وأما الشروط، فهي (6):
1- أن تكون موافقة للشريعة في (سببها)، أي بدليل من الكتاب والسنة.
2- أن تكون شرعية في (جنسها)، فلا تقبل الأضحية بفرس.
3- أن تكون شرعية في (قدرها) فلا زيادة في ركعات الصلاة ولا غيرها.
4- أن تكون شرعية في (كيفيتها) فلا صلاة بلا طهارة صحيحة.
5- أن تكون شرعية في (زمانها) فلا يصوم رمضان في غيره- من الشهور-.
6- أن تكون شرعية في (مكانها) فالوقوف بعرفة، لا بغيرها.
ويخلص إلى أنه (.. إن لم تتوفر هذه الشروط فالعبادة بين الرد والفساد)..]
هنا أحبّر- مكرراً- لمرامي حول كتابه..
إنني لا أصدر من عاطفة، فالكل «مقامه حيث أقامه».. لا تصغير ممن لا يثمن، ولا تكبير ممن ينفخ، هذا فضلاً عما للمادة العلمية الجليلة الآنفة/ من لدنّي الدافع.
ألا..كم أحسنت.. رحمك ربّك، وأفدت بما طوى المحتوى، فأجدت، حمد لكم ربي الجهد وفاض لك رحمك الله بالأجر، وبلغك المرام، والمسعى.