رعاية سمو سيدي ولي العهد ودعمه لسباقات الهجن بدأ منافساً لتجارب دولية سابقة ولم يكن وفق قاعدة (البدء من حيث انتهى الآخرون)، فمنذ أن أعلن مهرجان ولي العهد للهجن على أرضية ميدان الهجن بالطائف 2018 ومسار الهجن في منحنى تصاعدي بجهود الاتحاد السعودي للهجن، الذي اتخذ سياسة التطوير والتنمية في إناء واحد من خلال إعادة بناء الميادين وإقامة مهرجانات السباق بذات الوقت، وهو ما انعكس إيجاباً على نمو قطاع الهجن.
لم تتوقف عجلة تطوير هذا القطاع المرتبط بالمجتمع كأحد عناصر التراث المجتمعي والممتد تاريخياً من عصور سابقة، فقد اختتم سباق كأس العلا يوم الجمعة السابع عشر من مارس 2023 مؤكداً أهمية هذا القطاع ودوره في التنمية الاقتصادية وتقاطعه مع جميع عناصر الثقافة والبيئة، فمنذ أن أعلن تاريخ السباق وشروطه التي جعلت منه سباقاً نوعياً، سباق أقل ما يمكن أن يقال عنه سباق الجودة التنافسية، وما جعل السباق بهذا المستوى علاوة على الجوائز غير المسبوقة والتي لم تكن في خلد أحد رغم أن أسعار بعض الهجن وصلت إلى مثل هذه الأرقام، لكن اقتصار المشاركة على الهجن التي شاركت في مهرجانات خليجية وحصلت على أحد المراكز الثلاث الأول في أشواط الرموز هي التي حققت شرط المشاركة في كأس العلا، مما جعل هذا السباق سباقاً نوعياً للهجن بين هجن أصحاب السمو الأمراء والشيوخ والمواطنين لدول مجلس التعاون الخليجي.
موقع السباق أقيم على ميدان سابق تم إنشاؤه بطرق بدائية كما هي نشأة الميادين سابقاً، حيث يتم استخدام الحدود الرملية كمسار للسباق، ويعود تاريخه إلى بداية التسعينيات الميلادية إبان أمارة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز يرحمه الله لمنطقة المدينة المنورة استجابة لبرقية والدي لإنشاء ميدان رسمي للهجن بالعلا، واستمر هذا الميدان بالنمو إلا أنه لم يكتسب ما هو عليه الآن إلاّ بعد أن أعلن كأس العلا للهجن، ليتم تحويل تلك المنطقة الصحراوية الخالية إلى مدينة ثقافية في غضون أيّام معدودات، مع تطبيق معايير الجودة في بناء مضامير السباق من ناحية، والتعامل مع البيئة وفق الأنظمة البيئية التي في مقدمتها الحماية والمحافظة والتطوير من ناحية أخرى، علاوة على إنشاء منصّات الجمهور وتصميمها بشكل يتواءم مع تضاريس المنطقة لمنع التشوه البصري، كما تم إنشاء قرية تراثية جمعت بين مساحات مفتوحة للفنون الشعبية وأركان لبيع المنتجات الغذائية وحتى الحرفية، وفنون الرسم والتصاميم، ليصبح موقع السباق وجهة للسياحة الثقافية المتكاملة.
تجربة العمل الجماعي المشترك بين الاتحاد السعودي للهجن والهيئة الملكية للعلا أنموذجاً للشراكات بين الجهات الحكومية في تفعيل العناصر المشتركة باحترافية أثمرت في يوم الختام عن توقيع اتفاقيات إضافية لتحويل موقع السباق إلى قرية للرياضات التراثية الأصيلة تتضمن إنشاء مركز لتدريب ركوب الهجن، وإنشاء مركز لأبحاث الهجن، وتأسيس وتفعيل مسارات وأنشطة ركوب الهجن للسياح بالعلا وانتهاءً بسباق القدرة والبطولة العربية للهجن، والتي ستكون الوجهة الأولى عالمياً في تفعيل عناصر التراث المجتمعي (التراث غير المادي) واستثماره كعنصر جذب يعزز ريادة العلا في السياحة الثقافية والبيئية، مما سيخلق فرص عمل إضافية ويساهم في تحقيق الرؤية التنموية للوطن 2030م، والعائد الكبير هو تطوير رياضة سباق الهجن من خلال الجهود المتسارعة التي يقودها الأمير فهد بن جلوي رئيس الاتحاد السعودي للهجن وفريق عمله الذين كانوا عناصر فاعلة في سباق العلا على مختلف مهامهم ومستوياتهم الإدارية.
تجربة سباق كأس العلا تجربة وطنية رائدة في جودة وسرعة التنفيذ وتنوع العناصر التي كان لها الدور البارز في جذب الزوار من مختلف الجنسيات والاهتمامات، فكانت القرية التراثية التي احتوت على منصتين للجمهور لمتابعة السباق وتنوع الأركان وجهة تسويقية ترفيهية للفرد والعائلة، وحضور الفنون الشعبية، وكأن الزائر يعيش في واحة تراثية فنية في منطقة صحراوية مفتوحة بين جبال العلا وصحرائها، تنوع ثقافي بيئي خلق تجربة زائر لم تتكرر من قبل في عالم سباق الهجن.
إدارة هذا الحدث بهذه الجودة في فترة وجيزة يعكس الإمكانيات التي يتميّز بها ابن الوطن والقدرة على تطوير مجالات الإرث الثقافي وحماية البيئة في آنٍ واحد، علاوة على ذلك، الكفاءة الإعلامية التي يقودها فريق وطني نجح في تغطية وإيصال السباق إلى منصات إعلامية بلغة غير العربية، فضلاً عن الإعلام المحلي أو العربي.
** **
- مرضي بن سعد الخمعلي
@mardhisaadd