عبده الأسمري
أقام أعمدة «الثقافة» واحتفى بأجندة «المعرفة» وجنى من «حنين» الاغتراب «يقين» الانتساب للتجارب ومضى يحمل في يديه «قناديل» الأدب وفي قلبه «مواويل» الذكرى التي أضاءت «مسارب» الغربة.
مزج بين الشعر والمسرح في «كيميائية» مذهلة من الشعور والمرح قوامها «التأليف» ومقامها «التكيف» في قوالب شعرية واتجاهات مسرحية كان الإنسان فيها شاهد العيان وبطل المكان.
أضاء «سراج» البدايات بابتهاج «المهارات» التي ظل يوزعها ببذخ في ميادين «الإذاعة» و»الصحف» و»الكتب» متجاوزاً «عقبات» الانطلاق بوثبات «الانعتاق» من الروتين والوفاق مع السنين التي كانت «توليفة» من الاشتياق إلى الوطن والانسياق نحو المجد.
إنه رائد الشعر المسرحي السعودي الأديب الراحل حسين سراج رحمه الله أحد أشهر الأدباء والمثقفين في السعودية والوطن العربي.
بوجه حجازي الملامح بوقع الأصول, وواقع الفصول, وملامح هادئة تملؤها سكينة الذات, وتؤطرها طمأنينة الثبات, وعينان واسعتان ومحيا يعتمر البياض الذي يتوافق مع داخله المسجوع بالنقاء, والمشفوع بالصفاء, وأناقة تتكامل على محيا عامر بالتهذيب, وغامر باللطف, وشخصية تتلألأ أدباً وخلقاً, وصوت جهوري خليط بين لهجة حجازية ونبرة فصيحة ولكنها حصيفة مسكونة بلغة «الضاد» ومكتظة بومضة «السداد», وعبارات جلية المعنى واضحة الفهم تنبع من «مخزون» لغوي و»رصيد» شعري وكلمات مضيئة تكاد ترى بالبصر تعلوها الإجادة, وتميزها الإفادة, قضى سراج من عمره عقوداً وهو يعبر «محطات» الحياة ويتنقل بين «منصات» المناصب ويرسم للمسرح «خرائط» الشعر ويورث للأجيال «عطايا» الأثر, ويهدي للتلامذة «هدايا» التأثير كرمز أدبي واسم شعري وضع اسمه في قوائم «الرواد» وخلد مسيرته في مقامات «الكبار».
في الطائف عروس المصائف ولد عام 1912م في نهار صيفي ملأ منزل أسرته بمواويل الفرح وأهازيج البهجة وسط عائلة «جلية الذكر وغنية السمعة وتفتحت عيناه على أب عالم عابد كان يعمل كمفتي الأحناف في مكة المكرمة علمه «ماهية» التقى سراً وعلانية, وأم ودودة أسبغت عليه بمواجب الدعاء ومواجيب الابتهال, فنشأ بين قطبين من العطاء والامتثال, وظل طفلاً يرى في وجه أبيه «ضياء» الالتزام, وفي حنان أمه «إمضاء» الإلهام, فكبر مكللاً بالوجاهة ومجللاً بالتوجيه.
تلقّى تعليمه الأول في المدرسة الراقية الهاشمية ثم التحق في مدرسة الفلاح بمكة وركض مع أقرانه على ثرى مكة الطاهر متجولاً بين حي الفلق وسوق الليل والشامية وظل مرافقاً لأبيه في حلقات التحفيظ حيث تربى في أحضان «السكينة» وعاش في كنف «الطمأنينة» وتعتقت نفسه بأنفاس «البكور» في صباحات «الرحمة» وسط صحن الطواف وتشربت روحه نفائس «الأجور» في مساءات «الروحانية» أمام مقام إبراهيم وغمرت أعماقه رياحين زمزم حول البيت العتيق واستعمرت وجدانه مضامين الطهر في جنبات الحرم المكي فكبر وفي داخله موجبات «العزيمة» وعزائم» الواجب» ليبدأ الركض في «مضمار» المستقبل بروح «التقي» وبوح «النقي»..
ثم هاجر بعدها مع والده إلى الأردن حيث حصل على الابتدائية والمتوسطة هناك وانتقل إلى عالية بلبنان وحصل على الشهادة الثانوية ودرس في الكلية الوطنية وأكمل تعليمه بالجامعة الأمريكية ببيروت ونال منها درجة البكالوريوس في العلوم والآداب عام 1936م.
ارتبط بالمسرح منذ أيام الجامعة وكان يراقب مجاميع المسرحيين والأدباء في غربته وقرأ كثيراً في المسرح وأصدر أول مسرحية له بعنوان «الظالم نفسه» وبعدها مسرحية «جميل وبثينة» عام 1943م ثم عني بالمسرحيات الشعرية فنظم مسرحية «غرام ولادة» التي نشرتها دار المعارف في القاهرة عام 1952م، ثم نشرت له دار تهامة مسرحية شعرية «الشوق إليك» عام 1974م، وطبعت له نفس الدار ديوان شعر بعنوان «إليها».
ولأنه مسكون بالابتكار فقد بدأ أول محاولته في نظم الشعر بلبنان وتعلمه على يد الأديب اللبناني مارون عبود الذي علمه على عروض الشعر وكتابته ثم كتب الأناشيد الوطنية والأغاني الوجدانية، ونظم في حفلة التخرُّج قصيدة نشرت في ديوان «وحي الصحراء».
عندما غمرته موجات الحنين للسعودية عاد واجتمع برئيس تحرير صحيفة البلاد حسن قزاز ونشر فيها أول رواية سباعية على مستوى الصحافة المحلية بعنوان «عندما تنام القرية».
ارتبط بالإِذاعة وتعايش مع أصولها وفصولها في عهد عبد الله بلخير وعباس غزاوي رحمهما الله وقدم بعض البرامج القصيرة في مجال القصص الاجتماعية. وقد ترجم بتصرُّف عدداً من الروايات الأجنبية بحيث لا يستغرق تمثيلها أكثر من نصف ساعة، وكانت أولى تلك المسلسلات القصصية مسلسلة بعنوان «دموع وشموع»، ثم تابع بعد ذلك كتابة المسلسلات المذاعة، مثل «نور وهداية» و»العودة إلى المنبع» «قيس وليلى»، ثم كتب مسلسل «أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم» ومسلسلات «مكة عبر التاريخ»، و»فلسطين عبر التاريخ» وأخرى عن شخصيات إسلامية لها دور كبير في التاريخ الإِسلامي كابن حميدو الجزائري،.
وكتب حلقات عن خير الدين بربروس، وعن عبد الله البطال، وتعاون مع يحيى كتوعه والسيد سعيد الهندي في إخراج مسلسل أسماه «أمجاد الجزيرة». وأكمله بمسلسل «ركب النبوة». وقد استمرت إذاعة هذا المسلسل ثلاث سنوات، وعرضت منه ثلاثون حلقة متلفزة من جدة.
تنقل سراج في عدة وظائف وسط حياة عملية حافلة بالمآثر قضاها متنقلاً بين الأردن ومصر والسعودية حيث عمل رئيساً للديوان الملكي الأردني، ثم سفيراً للأردن بمصر. وعين مديراً عاماً لرابطة العالم الإسلامي عند عودته لمكة المكرمة. توفي عام 2007 عن عمر ناهز الخامسة والتسعين عاماً ونعاه زملاء الحرف ورفقاء الدرب وأصدقاء الحرفة وأصدرت إثنينية عبد المقصود خوجة أعماله الأدبية والفكرية في عشر مجلدات متخصصة شملت الشعر والنثر والقصص والمقالات والمحاضرات والمسرحيات الإذاعية وغيرها.
حسين سراج الأديب الرائد صاحب الإضاءات «الساطعة» والإمضاءات «اللامعة» في متون «المعارف» وشؤون «المشارف»..