رمضان جريدي العنزي
المواقف النبيلة والإيثار والتضحية وإنكار الذات لا يصنعها الرجال فقط، بل تصنعها النساء أيضاً، فكم من امرأة فاضلة عظيمة صنعت بصمت وهدوء مواقف جبارة يعجز عن صنعها كثير من الرجال أو من يدعون الرجولة، لقد ضربت النساء كما ضرب الرجال المثل والقدوة العليا في النبل والمواقف المشرفة مع الزوج والأهل والأقارب، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، الزوجة المخلصة التي آزرت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وجاهدت معه، وواسته، بمالها، ونفسها، فكان نصيبها ما رواه أبو هريرة أنه قال آتى جبريل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب)، الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سموات، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عائشة رضي الله عنها، أفقه نساء الأمة على الإطلاق، يقول أنس رضي الله عنه، لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقد رأيت بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملأنه، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم.
إن المرأة رغم أنها ضعيفة الفطرة، لكنها عظيمة القدرة، قد تغلب أصحاب العقول اللبيبة من الرجال، بحسن مواقفها واتقانها ورجاحة عقلها، وبرها وإحسانها، إن الإسلام عرف قدر المرأة وأعلى من شأنها وقيمتها، بعد أن كانت في الجاهلية تعيش الذل والهوان، تهان وتظلم، ويؤخذ حقها وميراثها، وتقاسي صنوف القسر والتعسف، ليس لها حق ولا أمر، تباع وتشترى، وليس لها أهلية أو تصرف، لكن الإسلام احترم المرأة، وحافظ عليها، وساواها بالرجل، وأعاد لها الحياة الكريمة، اعتنى بها وقومها، وأصلح شأنها.
في وقتنا الحاضر أعرف امرأة عن قرب لها مواقف نبيلة وجليلة في البذل والتضحية والعطاء، عملت للدنيا ولم تنسَ الآخرة، وعملت بكثافة لما بعد الموت، براً وإحساناً وكفالة يتيم وصلة رحم وسعياً بين قريناتها إصلاحاً وحثاً على فعل الخيرات والقربات، لا تهتم كثيراً بالدنيا وزخارفها ومباهجها، بل جعلت الحياة الدنيا مزرعة للآخرة، وقنطرة للوصول للحياة الأبدية الخالدة، وميداناً لممارسة السلوكيات التي تصعد بها سلم الفضائل الأخلاقية ومدارج الإنسانية، وفقت تماماً بين عمل الدنيا وعمل الآخرة، تتحلى بالخلق الحسن، والأدب الرفيع، فلا يعرف عنها بذاءة اللسان، ولا خبث جنان، ولا سوء عشرة، بل تتحلى بالطيب والنقاء والصفاء ولطف المعاملة، لا تجادل ولا تكابر وليس عندها مراء، هينة لينة عفيفة، إذا أعطيت شكرت، وإذا حرمت صبرت، تحافظ دائماً على صلتها بربها، وتسعى دوماً في رفع رصيدها من الإيمان والتقوى، فلا تترك فرضاً، وتكثر من النوافل وتلاوة القرآن، وتقدم رضى الله على كل شيء، لها حسن سمعة وسيرة، لا تهمز ولا تلمز ولا تمارس اللغو، لا تصطدم مع الناس، ولا تثير الأعصاب، ولا توغر الصدور، تصبر على نوائب الدهر، ونكبات الحياة، إنها حقاً عملة نادرة في زمن عجيب.