لاشك أن المسؤولية الاجتماعية - وكما عرفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة بأنها «الالتزام المستمر من قبل منظمات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، إضافة إلى المجتمع المحلى والمجتمع ككل».. تبدأ من الاستشعار الأخلاقي بهذا المفهوم الإنساني النبيل من خلال التعامل الفعلي مع المجتمع في الأنشطة الخدمية, والبرامج الاجتماعية, والاقتصادية, والصحية, وليست شعارات أو صدقات تقدمها المؤسسات من أرباحها المالية أو تبرعات من زكاتها, إذ يساهم تبني مفهوم المسؤولية الاجتماعية في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع من خلال تفعيل البرامج والفعاليات المختلفة ذات العلاقة بالعمل الخيري والمجال التطوعي وحث الأفراد على المشاركة الفاعلة في تلك الفعاليات وتنمية قدراتهم ومهاراتهم التطوعية لتحقيق الأهداف السامية لتلك البرامج الخيرية ومعطياتها الحضارية, ولا مناص أن من أهم أسباب غياب هذا المفهوم الأخلاقي عن التطبيق الجدي في نسيجنا الاجتماعي كون مفهوم المسؤولية الاجتماعية حتى الآن لم يتبلور بشكل كامل لدى الكثير من المهتمين به وذوي العلاقة ليس في نشاط واحد بل في معظم المجالات الحياتية.
فكما هو معروف أن المسؤولية الاجتماعية ضرورة للمجتمعات الإنسانية, تلعب دورًا حركيًّا في تنمية المجتمع وتطوره من خلال المساهمات المجتمعية الحضارية من قبل الشركات والهيئات حتى أن بعض الدول بدأت تشترط على المؤسسات أو الشركات لكي تفتح لها فروعًا على أراضيها أن تساهم في تنمية المجتمع وتقديم خدمات للمواطنين بها من باب المسؤولية المجتمعية الملقاة على عاتق تلك الشركات والمؤسسات. فكيف بمجتمع مسلم يدعو للتكافل الاجتماعي والبذل والعطاء وأعمال الخير والإنفاق والمشاركة الوجدانية في إطارها الاجتماعي والإنساني, وهذا الاتجاه النبيل حث عليه ديننا الحنيف في قول النبي عليه الصلاة والسلام: (المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وهي بالطبع من صفات المسلم الحق, ولكن مع الأسف أن الغرب يهتم بالجوانب الإنسانية كثيراً وبنشر ثقافة العمل الاجتماعي الأخلاقي أكثر من عالمنا العربي إلى درجة أن معظم المجتمعات الغربية تهرول في مضمار العمل بمفهوم وثقافة وقيم المسؤولية الاجتماعية بكل لياقة تفاعلية وروح عطائية.. فتحول هذا النشاط الأخلاقي بمبادراتهم النبيلة من سلوك تطوعي إلى عمل إلزامي نابع من حّس إنساني ووعي مجتمعي ويقظة الضمير تعكس البعد العميق لهذا المفهوم الحضاري, فمثلاً في سويسرا أظهرت الإحصاءات أن قرابة 1.5 مليون من الرجال والنساء يقومون بعمل تطوعي مؤسسياً ضمن أدبيات المسؤولية الاجتماعية..
والجانب الرياضي يمثل العدد الأكثر حيث أظهرت الإحصاءات أن غالبية المتطوعين من الرجال ينشطون ضمن الجمعيات الرياضية (12 %) تليها الجمعيات الثقافية 6.2 % وجمعيات الدفاع عن المصالح 5.8 % ثم بالأحزاب السياسية 3 %. ورياضياً معظم نجوم الكرة في العالم يتبرعون بأموالهم بما يخدم مجتمعاتهم ودعم مجالات الصحة والفقر والأمية,.
وعندما تتجه بوصلة العمل الخيري بمفهوم المسؤولية الاجتماعية إلى رجال الأعمال والمال في الغرب فلابد أن نشير إلى الملياردير الأمريكي الأشهر (بيل غيتس), وزميله الذي سبق وأن تربع على عرش «البليونيرية» (وارن بافيت) اللذين خصصا ثلث ثرواتهما.. تبرعاً للأعمال الخيرية ودعم الأبحاث الطبية ومساعدة الفقراء والمرضى. وغيرهم ممن أوقفوا ثرواتهم لخدمة الإنسان وتخفيف معاناته.
وفي أكبر مستشفيات كوريا الجنوبية أنشأها رئيس شركة هيونداي (تشونغ مونغ كو) لخدمة المرضى العاجزين من ذوي الدخل المحدود (مجاناً) وذلك استشعاراً بحجم مسؤوليته الاجتماعية تجاه وطنه, فكم نحتاج إلى نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية بمفهومها القيمي والحضاري في نسيجنا المجتمعي, لاسيما مع إطلاق وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية العديد من المبادرات المرتبطة بهدف رؤية مملكتنا الطموحة (2030) المتمثل في تعزيز قيام الشركات والمؤسسات بمسؤوليتها الاجتماعية، ومن أبرزها إطلاق المنصة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية بشكل رسمي في (23 مارس 2023م) كمجتمع رقمي يجمع القطاع الخاص بالقطاع العام وغير الربحي لتمكين القطاع الخاص من المساهمة المجتمعية.. أحد أهم مشاريع تلك المبادرات الحضارية.