محمد سليمان العنقري
خلال مقابلة تلفزيونية مع الزميل عبدالله المديفر قال الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للعقار المهندس عبدالله الحماد إن «أسعار العقار مرتفعة، فيها إشكال وليست صحية ولسنا راضين عنه لأنه في النهاية سلبي، الارتفاع سلبي على الأطراف كلها وهذا معطّل للاقتصاد بالتالي المفترض أن الأسعار تنزل وهذا الذي نعمل عليه بما يحقق التوازن للقطاع العقاري» وقد سبق لمعالي وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان أن قال قبل أسابيع إن أسعار العقار مبالغ فيها قليلاً، ومن المعلوم أن مثل هذه التصريحات عندما تصدر عن مسؤولي الجهات المعنية بقطاع العقار فهي لها دلالات عديدة وبذلك فإن السوق تصبح على مرحلة من الانتظار لتوجهات وقرارات تعالج جانب المبالغة بالأسعار لكي يتم المحافظة على نشاط السوق واستدامته فالعقار ركيزة أساسية بالتنمية الاقتصادية وله أثر كبير جداً في توليد فرص العمل وجذب الاستثمارات.
لكن اللافت بحديث رئيس هيئة العقار هو ذكره بأن الارتفاع أشكال وأنه معطل للاقتصاد، فمن المعروف أن أول حل لأي مشكلة هو الاعتراف بها وقد يكون ارتفاع أسعار العقار أو غيره من الأصول أو السلع أمر وارد في ظل زخم اقتصادي قوي وسيولة تتجه للقطاع أو السلع أو الأصول أياً كانت إلا أن الجهات المعنية دائماً تراقب السوق وتدرس توجهاته وأي آثار سلبية قد تواجهه فتعمد للتحرك وإيجاد الحلول لتصحيح المسار، فقطاع العقار المستهدف فيه تحويلة لصناعة تحقق استدامة حتى يتم المحافظة على دوره الإيجابي بالنمو الاقتصادي ومولداً لفرص الاستثمار والوظائف إذ يرتبط به حوالي 110 أنشطة اقتصادية وبحجمه الضخم وسوقه التمويلية الكبيرة فإن المحافظة على قوة تأثيره مهمة وبنفس الوقت حمايته من تراحعات حادة ترتقي لمستوى انهيارات تضر بالاقتصاد عموماً وبذات الوقت منع حدوث فقاعة فيه لأنها سبب رئيس بحدوث الانهيارات إذا بلغت الأسعار مستويات عالية من الارتفاعات، التي إذا حدثت سيقل النشاط بالتطوير والاستثمار لأنه يصبح غير مجد اقتصادياً، إذ سينخفض عدد القادرين على الشراء للعقار أو حتى الإيجار التجاري فالمبالغة بالأسعار ستؤدي لركود بالسوق ومن ثم تبدأ إشكاليات عديدة، إذ سيحجم الممول عن ضخ أي أموال لتمويل المطور أو المقاول أو المستثمر وكذلك المشتري خوفاً من التراجع الحاد بالأسعار الذي قد يصبح معه المقترض متعثراً، إضافة الى أن الأسعار المبالغ فيها ستمنع المستثمر من التفكير بأي مشروع عقاري لأنه أصبح مكلفاً وعائده لا يستحق المغامرة، فقطاع العقار يحتاج لأموال ضخمة للاستثمار فيه ولذلك فإن أي تعثر يكلف المستثمر مبالغ ضخمة قد تؤثر كثيراً على مستقبل تجارته وأعماله بخلاف الضرر المحتمل على الممولين والقطاع المالي عموماً.
وقد بدأت بالفعل خطوات متسارعة لمعالجة المبالغة بالأسعار في المدن التي ارتفعت بها الأسعار كثيراً بالسنوات القليلة الماضية من خلال ضخ المشاريع ذات التكلفة المنخفضة بقيمة الوحدات بالإضافة لزيادة العرض من الأراضي الذي سيظهر أثره بالسنوات القليلة القادمة على مراحل وكذلك التغيير بمصفوفة الدعم السكني والدراسة التي تعد لتعديلات بلائحة رسوم الأراضي، كما أن لارتفاع أسعار الفائدة دوراً مهماً في الحد من توجه السيولة للقطاع.
ويعتمد ذلك على المدة التي ستبقى بها أسعار الفائدة مرتفعة وإلى أي مستوى ستصل فالصورة غامضة نوعاً ما، حيث إن الفيدرالي الأمريكي توقع وصولها لسقف أعلى عن مستهدفه السابق عند 5,5 بالمائة ودون أن يحدد رقماً واضحاً حيث إن التضخم لديهم مرتفع ولا يوجد أفق زمني لمعالجة أسبابه خصوصاً سلاسل الإمداد، فالمشكلة هي بعرض السلع والخدمات الذي تؤثر عليه عوامل عدة منها عدم عودة الإنتاج لمستويات ما قبل كورونا وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا فهي ليست مشكلة بزيادة الطلب، وفي حال استمرار رفع الفائدة والضبابية حول سقفها المتوقع وبما أن الريال مثبت بسعر أمام الدولار فسيتم رفع الفائدة مجاراةً لقرار الفيدرالي الأمريكي وهو ما يعني أن التاجر سيكون متحوطاً من ارتفاع تكلفة الاقتراض عليه وبذلك سيخفف من نشاطه بالاستثمار العقاري ليكون عاملاً ضاغطاً إضافياً في حال استمرار الاسعار المبالغ فيها للعقار ببعض المدن وبذلك فإن تصريحات الجهات المعنية بالقطاع العقاري حول ارتفاع الأسعار تعني أنه سيكون هناك تحركات إضافية لحماية السوق من أي فقاعة فيه ومعالجتها بوقت مناسب وهو ما يعني أن أطراف السوق سيكونون قريبين جداً من أي تطورات بالبرامج أو المبادرات أو الإجراءات لمعرفة انعكاسها على السوق فلا يمكن أن يظهر تشخيص لمشكلة دون أن يكون قد وضعت كل الحلول المناسبة والمتوازنة للحفاظ على معنويات السوق والثقة فيه.
حراك ونشاط كبير تقوم به الجهات الرسمية المسؤولة عن قطاع العقار لتحويله لصناعة متكاملة ومنع أي تحديات تواجه استدامته فكما وضعت الحلول للتمويل فإن حلول زيادة العرض وتنوع المنتجات وزيادة كفاءة استخدام المساحات المبنية لتكون بالقدر الكافي والمناسب لكل أسرة حسب عدد أفرادها ومستوى دخلها يتم تنفيذها بمشاريع عديدة فمن الواضح أن السوق العقاري تستكمل تنفيذ استراتيجيته ليكون محكماً ومنظماً بشكل كامل بما يحمي كل الأطراف ويزيد من فاعليته ودوره بالتنمية الاقتصادية وإزالة أي تشوهات فيه ومنع حدوث فقاعات فيه والتي كان له ضرر كبير على اقتصادات دول عديدة حدثت بها سابقاً.