عبد الله سليمان الطليان
لاشك أن العطاء الثقافي الرصين الذي فيه جمال الإبداع المبتكر وغير المقلد يعطي عنواناً واضحاً لصاحبه على أنه يستحق أن يكون في دائرة الثقافة، التي في حاضرنا أصبحت هذه الكلمة مبتذلة ورخيصة، وهناك إسراف شديد ومخجل في إلصاقها في عشوائية، وأنا هنا أقصد الثقافة المتعلقة بالأدب والفنون المختلفة، التي تتطلب نبوغاً وذهناً متوقداً متلازماً توصل صاحبها إلى العبقرية الحقة.
نجد في مجتمعنا هناك مبالغة كبيرة في إسداء المديح المفرط غير الواقعي الذي لا يرتكز إلى جذور ثقافية عميقة موغلة في البحث المتواصل والعطاء المتميز، يخضع هذا المديح أحياناً إلى تعصب قبلي أو قربى أو علاقة مرهونة بالمصلحة الذاتية وحب المظهر الاجتماعي الذي طغى على المشهد وأصبح هناك تهافت محموم لبلوغ ذلك زاد من وتيرته الإعلام بكافة وسائله، في الماضي يوجد الكثير الذين حققوا نبوغاً وتميزاً حقيقياً، مازالت آثار أصحابها محفورةً في الذاكرة وتكاد لا تنسى رغم مرور الزمن، كان الإعلام فيه مفقوداً تماماً، ولو تتبعنا سيرة بعضٍ من أصحاب هؤلاء النوابغ لوجدنا كيف أفنوا أعمارهم من أجل تحقيق غاية وهدف ذي قيمة ثقافية معتبرة بحق، يكون أحياناً في حيز ضيق، مثال ذلك تحقيق كتاب واحد ومراجعته لوقت طويل بإصرار وعزيمة بدون فتور أو ملل، وقع في يدي (رواية الحب المدمر ) للكاتب الأمريكي - الكندي الشاب (دي واي بيشارد) استغرق هذا الكاتب في تأليف هذه الرواية ثماني سنوات، حازت هذه الرواية على جائزة كتاب الكومنولث للكتاب الأول عام 2007م تقع في 436 صفحة، كان الكاتب حريصاً على نقل الواقع بصدق الذي بنيت عليه الرواية. فلم تكن الأحداث والمشاهد في الرواية مفتعلة أو ملفقة تروى وفقاً لنوازع وهوى النفس بل إنها الحقيقة في أدق تفاصيلها، أراد الكاتب نقلها عن قرب ولهذا أخذت منه وقتاً طويلاً في التقصي والمراجعة المتكررة.
يهمني هنا مقدار الجهد المبذول الذي كافح من أجل إخراج هذه الرواية، عرضت هذا المثال بالذات لأن الكاتب في مرحلة الشباب فهو من مواليد 1974م ومع هذا أبدع، أتمنى أن أجد هذا الجهد في واقعنا الثقافي الذي مازال عطاؤه فقيراً في إشباع ثقافي حقيقي، وأرجو أن لا نعطي كلمة ثقافة لصاحب بضاعة ذات غلاف مبهر وجذاب لكن محتوى عناصرها يفتقد إلى غذاء الفكر الراقي.