رضا إبراهيم
منذ أن خاضت البشرية الحرب لأول مرة، كانت السرعة عاملاً رئيسياً في القتال، وبالأخص في المراحل الأولى من بداية المعارك. هذا، ويمكن للتركيز السريع واستخدام القوة أن يساعدا المقاتل على هزيمة العدو، وأن يجعلانه يتجنب حربًا استنزافية قد تكون بالنسبة له مكلفة جداً، وذلك النهج ركّز على إستراتيجية الحرب الخاطفة في كثير من الدول وبالأخص ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م)، والحروب الأخرى التي تلتها.
وتُعدّ السرعة أيضاً عاملاً مهماً بأي هجوم، سواءً كان هجوماً تقليدياً أو غير ذلك، فقد لا تسمح ظروف العمق الإستراتيجي ولا التركيبة السكانية ولا الثروات الطبيعية لجيش ما برفاهية تحمُّل حرب تحمل طابعًا استنزافيًا، سواءً كان باستنزاف الموارد البشرية أو الطبيعية أو بعامل الوقت، لذلك تم تصميم نُظم أسلحة بشكل متخصص جداً، للقيام بدورها وفقاً لنظريات الحرب الجديدة، وهو نهج أساسه الهجمات المركزة والسريعة باستخدام أسلحة متخصصة سريعة الحركة، يمكنها مسايرة كل الاتجاهات التكتيكية، وفي أمدية قصيرة إلى متوسطة على حسب الموقف.
شريطة ألا يتجاوز ذلك الدعم والتنسيق التام بين مختلف الأفرع، وبطريقة تؤدي إلى إجبار الطرف المعادي ودفعه إلى إعادة تموضع دفاعاته، وباستخدام السرعة والمناورات الحادة يتم الإخلال بتوازن العدو، ومحاصرة تشكيلات بأكملها، ومن ثم القضاء عليها بسرعة. وبعد ظهور الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، والتي قلصت الفترة بين قرار الإطلاق والتدمير الكارثي على الجانب الآخر من الأرض إلى مجرد دقائق لا أكثر، عملت الدول الكبرى على نشر نُظم الإنذار المبكر والقيادة، ونُظم التحكم القادرة على اكتشاف إطلاق أي صاروخ، والبدء بتوجيه ضربة انتقامية قبل أن يتم تدمير صواريخها.
لكنه في الوقت الحالي، سوف تغير السرعة كل حسابات القتال والردع بشكل أكبر، وذلك مع النشر الوشيك للأسلحة فرط الصوتية الـ(هيبر سونيك) التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وهي مركبات قادرة على المناورة تطير بسرعة تزيد عن خمسة أضعاف سرعة الصوت (5 ماخ) وما فوق، حيث تختبر الدول الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة والصين، أسلحة فرط صوتية مختلفة الأنواع والأحجام، لتعزيز رادعها الإستراتيجي (النووي والتقليدي)، وتقوية وحداتها القتالية بالخطوط الأمامية من جبهات القتال.
كما لوحظ أن الدول الثلاث سابقة الذكر بصورة عامة، هي تلك الدول الرائدة عالمياً في مجال البحث والتطوير، تليها الهند التي لديها مشروع مشترك مع روسيا على سلاح تفوق سرعة الصوت، إلى جانب هذه الدول الأربع يسعى العديد من حلفاء الولايات المتحدة بشكل فردي، أو بالتعاون مع بعضهم بعضًا، للحصول أيضاً على أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، أو قدرات (فوق صوتية) مضادة لنفس الأسلحة.
وفي الرابع من مارس عام 2020م. أكد مسئول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) على أن الولايات المتحدة تخطط وعلى نطاق واسع، لإنفاق مليارات الدولارات في السنوات القادمة، لإنتاج أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، عبر تصميم نُظم تطير أسرع من الصوت بنحو (5) مرات، على أن تتحدى الأنظمة الدفاعية للعدو بسرعتها العالية وقدرتها على المناورة، حيث تعمل القوى العظمى على تطوير مجموعة من الصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، يمكنها توفير قدرات استجابة، كأسلحة فورية للدول التي تمتلكها، لدرجة أن تطوير تقنية تفوق سرعتها سرعة الصوت، بات يخلق سباقاً جديداً للتسلح حول العالم.
وفي شهر يونيو عام 2020م أكد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أن بلاده لديها صواريخ فرط صوتية حديثة، يمكنها إصابة أهدف ضمن دائرة قطرها حوالي (70) سم من مسافة (1700) كم، وأضاف ترامب في كلمة خلال حفل خريجي أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية في العاصمة نيويورك، قيام بلاده ببناء مئات من السفن والطائرات القاذفة والمقاتلة والطائرات المروحية والدبابات الجديدة والأقمار الاصطناعية العسكرية والصواريخ، بما فيها الفرط صوتية، لكن ترامب لم يحدد متى ستصبح تلك الصواريخ جاهزة، لكن مسئولي البنتاجون أكدوا في وقت سابق على أن الولايات المتحدة تتأخر عن روسيا والصين، في تصميم وتطوير الأسلحة الفرط صوتية.
وترجع رؤية الولايات المتحدة في البداية للأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، باعتبارها جزءًا من القدرة المطلوبة لمهاجمة أهداف العدو عالية القيمة، بما فيها نُظم القيادة والتحكم وبطاريات الصواريخ المتنقلة، دون استخدام الرؤوس الحربية النووية، أو الاعتماد على القوات الأمامية، وكان هذا هو المنطلق الأساسي لمهمة الضربة العالمية السريعة، التي تم الإعلان عنها لأول مرة عام 2003م، ومع مرور الوقت جاء تركيز سعي الولايات المتحدة للحصول على أسلحة تفوق سرعة الصوت، بشكل أكبر على الأسلحة التقليدية متوسطة المدى، التي يمكن استخدامها في سياق إقليمي لتقويض دفاعات العدو في بداية المعركة، ما يمهد الطريق أمام باقي القوات (برية وبحرية وجوية). ويعتقد القادة وخبراء الإستراتيجية الأمريكيين، أن مثل هذه القدرة ستكون مفيدة بشكل خاص في أي مشاركة مستقبلية مع القوات الصينية بـ(آسيا والمحيط الهادئ) مثل بحر الصين الجنوبي، أو حول تايوان. ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن التحول إلى المحيط الهادئ عام 2011م، سعى المخططون العسكريون الأمريكيون للحصول على أسلحة متطورة، لمواجهة ما يُنظر إليه على أنه قدرات عسكرية دفاعية صينية معززة.
كما يزعم الجانب الأمريكي أن الصين نشرت صواريخ عدة باليستية متوسطة المدى، لاستهداف السفن الحربية والقواعد الأمريكية بالمنطقة، مؤكداً أنه يبدو أيضاً أن الصين تركز جهودها على الأسلحة، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت على سياق إقليمي، حيث يبدو أن قذائفها الصاروخية الانزلاقية طراز (دي اف زد إف) تستهدف القواعد الأمريكية والسفن الحربية وبطاريات الصواريخ بمسرح آسيا والمحيط الهادئ.
والمعلوم أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة في عام 2002م من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية (ABM)، شعر المسئولون الروس بقلق زائد من أن الدفاعات الصاروخية الأمريكية غير المقيدة، يمكنها في المستقبل القريب تهديد الرادع الإستراتيجي لروسيا، وللتغلب على هذا الخطر أكدت روسيا إنها ستنشر قريباً نظام توصيل تفوق سرعته سرعة الصوت ومسلح نووياً، وقابل للمناورة يُعرف بـ(افنجارد) على بعض صواريخها البالستية العابرة للقارات نتيجة لسرعتها الفائقة وقدرتها على إجراء المناورة، لذلك تم تصميم الصواريخ افنجارد للتهرب من أي نُظم أمريكية مضادة للصواريخ سواءً الحالية أو المستقبلية، ما يعني ضمان سلامة الرادع الإستراتيجي لروسيا.
ومن ناحية أخرى أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى نفر من كبار مسئوليه الحكوميين في شهر ديسمبر عام 2018م، أن هذا يُعدّ حدثاً كبيراً في تاريخ القوات المسلحة الروسية وربما في حياة البلاد كلها، ورغم أن روسيا قد ركزت بشكل أساسي على تطوير الرؤوس الحربية، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لبعض من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الخاصة بها، إلا أنها سعت أيضاً في الآونة الأخيرة لاستعمال أسلحة مزدوجة الاستخدام، مخصصة لمسرح العمليات، يُفترض أنها ضد قوات الناتو بكل من أوروبا والمحيط الأطلسي.
وهو أمر بات واضحاً بتجربة صاروخها المضاد للسفن، الذي يطلق من الجو من قاعدة بجبال «الأورال» في السادس والعشرين من ديسمبر عام 2018م، وذلك الصاروخ يسمي (كينزهال) يُقال إن مداه يبلغ (1200) ميل أثناء الطيران بسرعات تقترب من (10) ماخ، متجنباً أي دفاعات، وفي خطاب حالة الأمة الذي ألقاه بمجلس الدوما في شهر فبراير عام 2019م روج بوتين للصاروخ (تسيركون) وهو ضمن فئة الأسلحة فائقة السرعة، وألمح كذلك إلى أنه سيتم استخدامه لشن ضربات مفاجئة ضد مقرات القيادة الوطنية الأمريكية.
وقد ذكر أدميرال روسي متقاعد أن الصاروخ الجديد (تسيركون)، سيمكنه ضرب مواقع القيادة بالولايات المتحدة في غضون (5) دقائق من مواقع الغواصات الروسية، كما نشرت محطة تليفزيون (فيستي نديلي) الحكومية الروسية، قائمة بالأهداف الأمريكية التي قد تُستهدف بصواريخ نووية فرط صوتية في حالة اندلاع الحرب. وتجدر الإشارة إلى أنه عقب إطلاق الروس الصاروخ الباليستي طراز افنجارد، أكد خبراؤهم أن الصاروخ بعد انفصاله عن حاملته بطبقة الستراتوسفير (إحدى طبقات الجو العليا تعلو عن الأرض من 18 - 50كم) انطلق متعرجاً عبر سيبيريا مسافة (6000) كم في سرعة وصلت إلى (27) ماخ، حتى اصطدم بهدفه المحدد بشبه جزيرة «كامتشاتكا»، وسرعان ما وصف بوتين وهو في حالة من الفرحة والابتهاج ذلك الصاروخ بقوله (إنه هدية السنة الجديدة المثالية للبلاد)، تبعه إعلانه أن روسيا أول دولة مسلحة بأسلحة تفوق سرعة الصوت.