ناهد الأغا
في أيام جميلة مُباركة، سبقت قدوم شهر رمضان المُبارك، كان الموعد مع إعلان أسماء المتوجين بالفوز، ونيل جائزة الملك فيصل العالمية في نسختها الخامسة والأربعين.
موسم خصب ونماء، يجتمع فيه أدباء وعلماء ومفكرون، وقادات، التقوا لهدفٍ سامٍ ونبيلٍ، تجذر منذ عقود خلت من الزمن، لفكرة عظيمة تُخلد مآثر أبٍ محب لوطنه وأمته وعقيدته، جاد بها أبناؤه رحم الله من اختارهم لجواره، وحفظ الله من هم بين ظهرانينا، ومتعهم بموفور الصحة والعافية.
أقف بإجلال وبشعور ممزوج بين الوفاء والتقدير لشخصية فذة، شكلت صفحة مضيئة في تاريخ المملكة العربية السعودية، وأحبت أرضها وشعبها والأمة كاملة، رحم الله الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، صاحب الفكر والمواقف المشرقة، التي تُقدر جليا ًحتى اليوم، وتقدير فكرة الجائزة العالمية الرائدة بطرحها وفكرها، ونتاجها، والقائمين عليها.
جائزة هي الأفضل، دون أدنى مجاملة أو تحييز، وألمس ذلك بنفسي حينما أرى نُخباً وقامات تحظى بالفوز والظفر بأحد فروع جائزة الملك فيصل العالمية، يفوز بجوائز عالمية أخرى، غير أن فوزه بهذه الجائزة المباركة القيمة، يكون في نفسه ووجدانه أعمق وأكثر قوة من كبرى الجوائز الأخرى.
كفاءة ومصداقية ونزاهة، وغياب تحييز، أسس ومنهج سائد في منهجية منح هذه الجائزة لمستحقيها، من مختلف بقاع العالم، من شرقها وغربها، التميز هنا لمن يُبدع ويخدم الإنسان والإنسانية أكثر وأكثر.
ففي هذا العام، يُكرم فائزٌ يحمل الجنسية الكورية، وتكون هذه المرة الأولى التي ينال أحد حاملي هذه الجنسية جائزة الملك فيصل العالمية، ففي حقل خدمة الإسلام، نال الأستاذ الدكتور تشوي يونج كيل - حامد، أستاذ الدراسات الإسلامية (سابقًا) في جامعتي ميونجي، وهانكوك للدراسات الأجنبية في جمهورية كوريا الجنوبية، ورئيس صندوق هبة الإسلامي الكوري. وقد منح الجائزة لجهوده الدعوية والتعليمية، المتمثلة في تدريسه اللغة العربية والعلوم الإسلامية في الجامعات الكورية، وإلقاء الدروس والمحاضرات العلمية لتعريف بالإسلام، وتأليفه وترجمته لعدد كبير من الكتب الإسلامية التي أسهمت في نقل الثقافة الإسلامية إلى مجتمعات الشرق الأقصى.
وشارك الأستاذ الدكتور تشوي يونج كيل - حامد بالجائزة المخصصة لحقل ((خدمة الإسلام)) فضيلة الشيخ ناصر بن عبدالله الزعابي، رئيس المجلس الدائم لصندوق التضامن الإسلامي بمنظمة التعاون الإسلامي.
أما في حقل الدراسات الإسلامية، التي تناولت هذا العامّ، موضوع «العمارة الإسلامية»، فقد كانت الجائزة من نصيب البروفيسور روبرت هيلينبراند، الأستاذ في جامعة إدنبرة في اسكتلندا، الذي يعد مرجعيّة أساسيّة في مجال العمارة الإسلاميّة، بالإضافة للدراسات الإسلامية فقد درس العمارة الإسلاميّة باستخدام منهجيّة متميّزة فاتّسمت أعماله بالشمولية الواسعة جغرافيًا وزمنيًا، وقد غطّت شمال إفريقيا، ومصر، وفلسطين، ووسط آسيا وامتدّت من مراحل الإسلام الأولى حتى القرن التاسع عشر الميلادي.
أما في حقل اللغة العربيّة والأدب، التي كان موضوع جائزتها هذا العامّ في «السرد العربي القديم والنظريات الحديثة»، فقد تم منح الجائزة المخصصة لها للبروفيسور عبد الفتاح كيليطو، الأستاذ في جامعة محمد الخامس في الرباط، المغرب، الذي يعدّ من النقّاد البارزين العرب في العصر الحديث. لقد برزت براعة البروفيسور كيليطو في تأويل الأعمال السردية العربية القديمة بدراسات مكثّفة، أحاطت بها في شتى أنواعها.
وفي حقل الطب، خُصصت الجائزة هذا العام لموضوع: «الأوبئة وتطوير اللقاحات»، ومُنحت إلى كل من البروفيسور دان بوروك، الأستاذ في جامعة هارفارد في أمريكا، والبروفيسورة ساره غيلبيرت، الأستاذة في جامعة أكسفورد في بريطانيا، تقديراً لإسهاماتهما الكبيرة في دراسة وتطوير لقاحات ضد مختلف الأوبئة، وخاصّة تلك التي قدّماها ضد فيروس كورونا (كوفيد-19) لإنقاذ ملايين الأرواح في العالم.
أما في الجائزة المُخصصة للعلوم، فقد كانت هذا العام لفرع الكيمياء، وتم منح الجائزة إلى البروفيسور تشاد ميركن، الأستاذ في جامعة نورث ويسترن في أمريكا، والبروفيسورة جاكي ينغ، المديرة التنفيذية المؤسسة لمعهد الهندسة الحيوية وتكنولوجيا النانو في سنغافورة، مختبر (NanoBio)، وهي بذلك تصبح أوّل امرأة تفوز بجائزة العلوم، لقد ساهمت أبحاثهما في نموّ تكنولوجيا النانو في العصر الحديث وتطوير تصنيع المواد النانوية وتطبيقاتها.
عندما شاهدت وسمعت ما قاله كل من نال تكريماً بهذه الجائزة، عانق كبريائي عنان السماء مجداً، لما مثتله هذه الجائزة في وجدان كل من نالها، وكيف أن سنى بريق لمعانها الذهبي يخلد في النفوس، وليس بالنظر والعينين فقط، وقد نقشت حروفها الخالدة باللسان العربي الفصيح، الذي يُخاطب العالم جميعها بمختلف بقاعه وأصوله ومنابته.
لا غرابة أن تقرأ في سطور الكتاب، الذي خُطَّ في قِبلة الفكر والقيادة، والعلم حروفاً مُدت من نور بمختلف اللغات والثقافات، فهم أينما وجهوا بوجوههم قادتهم طوعاً نحو القِبلة الحضارية العزيزة.