الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يعد جبر الخواطر من أحب الأعمال إلى الله، ومن أعظم القربات للمولى عزَّ وجلَّ، وهو منهج نبوي له أثر عظيم في النفوس.
وفي هذا الزمن تشتد الحاجة إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم، وهو أمر لا يحتاج إلى كثير جهد ولا كبير طاقة.
«الجزيرة» التقت عدداً من العاملين في الحقل التربوي ليتحدثوا عن هذا المنهج الإسلامي النبيل في المجتمع، ودور المؤسسات المجتمعية في ترسيخه.. فماذا قالوا؟
منهج رباني
بداية يوضح الأستاذ صالح بن ناصر العُمري مدير الإدارة التربوية:إن جبر الخواطر عبادة عظيمة، فالله سبحانه وتعالى هو (الجبار) الذي يجبر القلوب اللاجئة إليه بصدق وإيمان (ولسوف يعطيك ربك فترضى)، ورسولنا عليه الصلاة والسلام يقول:(الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
فجبر الخواطر منهج رباني وقيمة إنسانية عظيمة لا يتصف بها من الناس إلا طالب الأجر والمثوبة ممن كان راجح العقل سليم الصدر كريم النفس، ومع كثرة انشغال الناس في هذا العصر وتزايد اهتماماتهم وتداخلها أصبحوا بحاجة ماسة لمَن يجبر خواطرهم ويَجلي همومهم ويخفف عليهم أعباء الحياة فمن الناس من يسعد بابتسامة، ومنهم من يطير فرحاً بكلمة تشجيع وإطراء ومنهم من يقضي يومها مبتهجاً وقد جُبِر خاطره بوقفة مساعدة، ويكفي أن المجتمع ينبذ كاسري الخواطر من أصحاب الطباع الأنانية القاسية والتي لا تعرف الخير ولا النفع للآخرين والدوائر العامة والخاصة حَرِيٌّ بها تكريس هذا المفهوم وتشجيعه وإبرازه من خلال المبادرات التي تكرّس هذا المفهوم سواء الدوائر الشرعية أو التربوية أو الإعلامية والتي بالأخير سيعود نفعها على الوطن والمجتمع، وبالتالي التأكيد والتأصيل لمفهوم وطن الخير.
النفوس الراقية
ويشير الأستاذ إياس بن طارق اليحيى مشرف الدراسات الإسلامية بمكتب التعليم بالعليا إلى أن تطييب القلوب المنكسرة وجبر خواطرها من أعظم وسائل بناء الألفة والمحبة في المجتمع، فهو دال على سمو النفوس، وسلامة الصدور، ورجاحة العقول.
لذا قال سفيان الثوري -رحمه الله- «ما رأيت عبادة يتقرّب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم».
وإذا تأملنا في نصوص الوحيين وجدناها متوشحة بهذا الأسلوب ملهمة أفراد المجتمع المسلم بذل المزيد من العطاء والرقي بالمجتمعات وإن تخلل ذلك ألم فقد، أو خسارة تجارة، أو عدم توفيق، لذا جبر الله خاطر أم موسى بقوله:»فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن». وجبر خاطر نبيه صلى الله عليه وسلم بعدما آذاه قومه فخرج من مكة إلى المدينة بقوله:»إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد».
فهنيئاً لنفوس راقية جبرت قلوباً أصيبت ثم عادت إلى حياتها بتفاؤل.
الخلق الحسن
ويقول الأستاذ عبدالمحسن بن عبدالعزيز الشويعر المستشار التربوي:ما أجمل قول الله تعالى وهو يجبر خاطر النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلمنا خلق جبر الخاطر:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى، {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}.
ويجبر خاطر ذلك الكفيف {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهدني وارحمني واجبرني) بمعنى وأجبر خاطري، ومن جميل ما ورد في معنى اسم الله -الجبار- أنه الذي يجبر القلوب المنكسرة.
وقد ورد عن الصحابة قولهم: (ما عُبِدَ اللهُ بأفضل من جبر القلوب).
وبعضهم يقول:(الله يجبر خاطرك) (لا تكسر خاطري).
فجبر الخاطر: عبادة عظيمة باتت قليلة بين الناس إلاَّ من رحم الله، ولها ثواب كبير وأثر عظيم في غرس المحبة بين الناس..كيف لا..؟
وهي من أفضل صفات الخلق الحسن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول:(إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
(الخلق عيالُ الله، وأحبُّ الخلقِ إلى الله أنفعهم لعياله)؛ فكلُّ سرور تُدخله إلى قلب أخيك هو جبر خاطر عظيم عند الله -كبير عند الناس تفقد الأرامل جبر خاطر- رعاية اليتيم جبر خاطر-مشاركة العزاء جبر خاطر- زيارة المريض جبر خاطر، التحية والترحيب السلام والابتسامة جبر خاطر - إكرام الفقير والمسكين جبر خاطر- تحمّل أذى الآخرين جبر خاطر - قضاء حوائج الناس جبر خاطر -الاعتذار جبر خاطر- والأمثلة كثيرة جداً.
وردَ في الأَثرِ:إذا أحَبَّ اللهُ عبداً جَعَلَ حوائجَ الناس تُقضى على يديه، وسيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مليئة بالأمثلة لجبر الخاطر التي يتوجب علينا أن نتخذها قدوة لنا في حياتنا اليومية.. وما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم.
اللَّهم أجبر خواطرنا برضاك عنا يا جبار.
الذوق الرفيع
وتؤكد الأستاذة سارة بنت فهد العويسي المشرفة التربوية في إدارة الإشراف التربوي بالمدينة المنورة: أن جبر الخواطر منطلقها احتساب الأجر والذوق الرفيع في التعامل مع الآخرين والإحساس بهم وفهم ردود أفعالهم والتعاطف دوماً.
وهو باب من أبواب التماس الأعذار، مشيرة إلى أن دور المؤسسات الاجتماعية والتعليمية مهم في تربية الجيل على الذوق الرفيع في التعامل مع من حولهم، ورقي لغة الحوار التي من محاورها جبر الخواطر في كلامنا وتصرفاتنا، وتقديم دورات وورش عمل تفاعلية، مع وضع مقرر مهارات حياتية تتضمن ذلك، وتقديم برامج ومقالات فما يطرق الأذان يصل للقلوب وينعكس على السلوك، ولا بد أن ندرك أن جبر الخواطر ليس أقوال وإنما ردود أفعال وأفعال ومبادرات في مواقف وأحداث، وتقديم مشاهد تمثّل جبر الخواطر وصوره وليس العكس لأن نشر الخير والسلوك الحسن بإبرازه وتجاهل السلوك السلبي ليزول من المشهد الحياتي.
أعظم عبادة
وتقول الأستاذة أمينة بنت صالح بن محمد الطويان مديرة إدارة الجودة الشاملة وقياس الأداء بمنطقة الحدود الشمالية بنين وبنات سابقاً، عضو في لجنة التميز بوزارة التعليم: من أراد أن يكون عظيم الإسلام، راجح العقل نقي القلب، سليم الفطرة، سخي النفس، شامل السجايا، فعليه بجبر خواطر الناس.
وما وجدت أعظم منها عبادة، حيث اكتمال السلوك من الأقوال والأعمال والأفعال،كما تعد من أقوى سمات الشخصية السوية، والذي يمارس تلك العبادة ستعود عليه بتيسير الأمور في حياته، فعندما تجبر خواطر الناس يجبر الله خاطرك ويحقق مرادك؛ فما أروع ذوي جبر الخواطر،ولا ننسى أنها وصايا نبوية وصى عليها نبينا محمد عليه أفضل السلام والتسليم، حيث قال: (من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).