سهام القحطاني
«يجب علينا تعليم أولادنا عن التاريخ الحقيقي للأفارقة السود،بأنهم كانوا ملوكا لمصر وليس الاكتفاء بحقبة العبودية فقط،التي يتم ترسيخها في عقول و أذهان أولادنا منذ صغرهم بمراحل التعليم بالولايات المتحدة،فهل تتذكرون الوقت الذي كنا ملوكا فيه؟-الممثل الأمريكي كيفن هارت-.
هذه التغريدة للممثل كيفن هارت و التي منعت دخوله إلى «مصر» ،تُعيد «سرقة التاريخ» مرة أخرى إلى الواجهة، لكن هذه المرة من خلال نسخة الأفروسنتريك أو المركزية الإفريقية.
وحركة المركزية الأفريقية تأسست نهاية القرن التاسع عشر على يد مثقفين أمريكيين من أصول أفريقية «أفرو أمريكان» مثل موليفي أسانتي و أنتا ديوب؛ لإبراز القيمة الثقافية والحضارية للسود، وسيادة العرق الأسود على جميع الأعراق ،وأنهم أصحاب علامة حضارية عريقة و ليسوا فقط شعوبا خُلقت لِتُستعبد، وقد شطحت هذه النظرية نحو التطرف و العنصرية من خلال «نظرية الميلانين» و التي تزعم أن ارتفاع مستوى الميلانين المسؤول عن لون البشرة هو سبب التفوق الفكري والجسدي لأصحاب البشرة الداكنة و مصدر قوتهم الخارقة.
والأفروسنتريك حركة سياسية ثقافية تقوم على أن مصدر العرق الأسود هو أفريقيا، ولذا لابد من قيام دولة أفريقية لجمع شتات السود باعتبارهم هم العرق الأصلي لإفريقيا وبقية الأعراق جاليات استوطنت أفريقيا وليسوا منها، وفكرة «تأسيس دولة افريقيا للعرق الأسود» هي من بنات أفكار الناشط السياسي الجامايكي «ماركوس غارفي»،و الذي روّج بدوره مصطلح «الشتات الأفريقي».
وبهذا المبدأ فإن كل حضارة تضمها أفريقيا هي من صناعة العرق الأسود عبر حقب التاريخ، وهذا الربط بين الأصول يعني أيضا بدوره إنكار دور الأعراق الأخرى مثل الفراعنة والعرب والمسلمين في حضارة أفريقيا، لنجد أنفسنا وفق هذا المبدأ أمام سرقة للتاريخ سواء الفرعوني أو الإسلامي في أفريقيا.
ولعل ظهور حركة المركزية الأفريقية بداية من عند «الأفروأمريكان» كانت ردة فعل على عقدة «العرق الأبيض» أو المركزية الأوروبية
والأمريكية التي حوّلت العرق الأسود إلى «مجموعة من العبيد»، ليعيشوا سنوات طويلة و مايزال بعضهم حتى اليوم في قيود الاضطهاد والتمييز العنصري في أمريكا و أوروبا، ولاسبيل إلى كرامة النجاة سوى البحث في التاريخ لتأسيس علامة حضارية ترفع قيمة شأنهم، ولوعن طريق السطو أو إنكار حضارة الأعراق الأخرى واعتبارهم دخلاء على أفريقيا موطنهم الأساسي الذي أسسوا فيه حضارات عريقة، وهو ما يتعارض مع شواهد التاريخ.
لا أحد ينكر مساهمة العرق الأسود في حضارة أفريقيا، ولا دورها الأدبي في الأدب العالمي والذي كانت نتيجته حصول بعض أدباء أفريقيا على جائزة نوبل و غيرها من الجوائز العالمية.
ولا أحد ينكر مدى الألم الذي عاشه هذا العرق عبر القرون من خلال استغلالهم واستعبادهم، وقد حان الوقت ليحظوا بكرامة إنسانية و تاريخية و وجود جغرافي يعيد حضارتهم.
لكن هذا الاعتراف بهذه المساهمة والدور وأهمية الوجود لا يعني تجريد بقية الأعراق من مساهمتهم في حضارة أفريقيا.
والأخطر من ذلك،إن الإيمان بحركة الأفرو سنتريك هو تهديد للهوية العربية والإسلامية لإفريقيا، والذي سعى إليها الاستعمارقبل هذه الحركة، لينال من تلك الهوية لكنه فشل.
وحركة الأفرو سنتريك،ليست الأولى التي تحاول أن تجرد أفريقيا من هويتهم العربية والإسلامية، بل ظهرت حركات قبل ذلك مطلع القرن التاسع عشر لتفكيك وحدة الهوية العربية والإسلامية للدول العربية، عندما حاول بعض غزاة الفكر فصل مصر عن العرب بصفتهم الفرعونية
والعراق عن العرب بصفتهم البابلية وبلاد الشام عن العرب بصفتهم الكنعانية ،وتحديد الهوية العربية بجزيرة العرب بصفتهم بدوا.
إن تقسيم بلاد العرب من المحيط إلى الخليج إلى كينونات إثنية هو أمرخطير يهدد وحدة العرب ويضر بمستقبل أمنها وسلامها.
لاشك أن تاريخ كل شعب هو علامة حضارية ضامنة لقوة أصالة وعراقة ذلك الشعب، و التشكيك فيه أومحاولة السطو عليه من شعب آخر؛ يعني نقل تلك العلامة الحضارية وتشكيل قوة أصالة للشعب الآخر، ومن هنا تأتي أهمية و قيمة تاريخ الشعوب وضرورة الدفاع عنه.
التاريخ قوة.