لا يوجد إنسان عاقل وضع قدميه على الأرض إلا وتوالت على عقله مجموعة من الأسئلة عن الموت وحقيقته وماهيته وما بعده وما قبله من أسئلة نتمنى ألا ترد إلينا لكنها تراودنا كرها بين الفينة والأخرى، والعجيب أن الموت هو الوحيد الذي اتفقت على وجوده كل البشرية وهو ظاهرة حتمية؛ يبذل الإنسان قصارى جهده كي يتفاداه ،وقد ينجح في تأخيره لكنه سيأتيه لا محالة، وكل مستشفيات العالم ومراكز البحوث والدراسات الطبية هي في الواقع تحارب الموت وتبحث عن الوقاية منه.
والموت من أعظم الشرور والأوجاع التي تؤلم البشرية أفرادا ومجتمعات ويخشاه الجميع والظاهر أن الموت كتب على البشر بعد نزول آدم من الجنة بمعنى أن آدم لو بقي في الجنة لم يمت لأن الموت لا يوجد في الجنة ونبقى نحن أحياء إلى الأبد، ولسقراط الفيلسوف المعروف رؤية عن الموت وهي غير قطعية في نظره فهو يرى أن الموت نوم بلا أحلام ويقول أيضا إنه ربما هي هجرة للروح من مكان إلى مكان آخر.
ويرى أفلاطون أن النفس موجودة منذ القدم فحين يولد الإنسان تستقر النفس في جسده ويرى خلودها فهي لا تنتهي، أما فيثاغورس فيعتقد أن الأرواح تتناسخ وأن الروح لا تموت بل تنتقل من جسد إلى جسد وربما تنتقل إلى جسد حيوان! وأقرب تفسير مادي لحالة الموت هو تخدير العمليات الجراحية فهو لا يشعر بشيء طيلة مدة التخدير ولا يحلم ولا يشعر بمدة التخدير والسؤال الأغرب في فترة التخدير أين تكون الروح؟! والفرق بينه وبين النوم أنه في النوم قد يحلم ويلتقي بالأرواح ويحادثهم ويحادثونه بل يلتقي بأرواح الأموات، وقد تلتقي الروح بروح لا تحبها! ويكون ذلك بلا اختيارك.
وتتفق الأديان السماوية على أن الإنسان ينتقل بعد موته للآخرة وتكون هناك محاسبة للمخطئين وتكريم للمحسنين وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) فالكل سيموت حتى الملائكة وإبليس الذي مازال حيا سيموت إلا أن الله استجاب دعوته مع أنه ضد أوامر الله، استجاب الله له كي يبقيه حيا ليغوي البشر وينشر الشر فسيكون موته في نهاية الدنيا كما قال ذلك الألوسي في تفسيره.
وأيضا عيسى عليه السلام لم يزل حيا كما ورد في القرآن. والعجيب أن الموقنين بوجود الآخرة ووجود الجنة أمثالنا يكرهون الموت مثل غيرهم مع أنها حسب الأديان ستكون حياة أجمل من الدنيا فيها كل شيء جميل، بل إن فيها أعظم أسباب الرفاهية، فما سبب هذا الكره للموت؟! يصعب الإجابة على ذلك يقول بعضهم هي غريزة حب الحياة، ولو سلمنا بذلك لقلنا حسب وصف الآخرة إنها حياة أجمل فكراهية الموت متأصلة فينا بشكل عجيب وهو من أسباب تعمير الحياة، حتى الكائنات الحية الأخرى تهرب من الموت بشكل أعجب!
ولقد تعاطى شعراء الفصحى مع الموت بأوصاف صادقة محزنة يتمثل في الرثاء ولم بشغلوا أنفسهم بكنه الموت وما بعد فيقول أبو ذؤيب الهذلي:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
ويقول زهير بن أبي سلمى:
رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشواءَ مَن تُصِب
تُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ
وتقول الخنساء:
مَا لِذَا الْمَوْتِ لَا يَزَالُ مُخِيفَا
كُلَّ يَوْمٍ يَنَالُ مِنَّا شَرِيفَا؟
والسؤال الكبير الذي يصعب تجاوزه هل سيستطيع العلم الطبي الحديث أن يؤخر الموت مُددا أطول تزيد على المئات؛ لا أظن ذلك مستحيلا في ظل تسابق التقنية الطبية الحديثة فالأمراض التي كانت فيما سبق سببا للموت السريع أصبح علاجها سهلا يسيرا وفي 2019م صدر تقرير لمنظمة الصحة العالمية يوضح أن معدل عمر الإنسان قد ارتفع خمس سنوات!
** **
- صالح سليمان الربيعان