د.شريف بن محمد الأتربي
قال تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (سورة طه: 123)، ومنذ ذلك الحدث العظيم والإنسان يسعى في الأرض طلباً للرزق والعلم والسيادة.
كانت البدايات صعبة، حياة جديدة، ومهام جديدة، ما لم تعمل لن تحيا، فكان الصيد، والزراعة وسيلتين للبقاء على قيد الحياة، وبقي التطور بطيئاً جداً، لا يكاد يلحظ حتى كان الاستقرار والتوطن في الأرض وعمرها.
استمرت حياة الإنسان على نفس وتيرتها مع حدوث تغيرات إيجابية في شكل المعيشة، وبدأت تظهر المجتمعات الإنسانية، وعرفت التجارة والسفر، وركوب البحر، وطوعت الحيوانات لخدمة الإنسان، وبعد آلاف من السنين جاءت الثورة الصناعية الأولى لتنسف كل هذه الأعراف وتشكل حياة جديدة مبنية على أساس الآلة.
تُعرَف الثورة الصناعيّة الأولى بأنها تطوّر الصناعات اليدوية إلى الصناعة باستخدام الماكينة، وهي عبارة عن تحوّلاتٍ اقتصادية وعلمية شهدتها بريطانيا ثمَّ انتقلت إلى كامل أوروبا في نهاية القرن الثّامن عشر نتيجة اكتشاف الآلة البُخاريَّة، وبِظهور الثورة الصناعية أصبحت للصناعة المكانة الأولى بِتحوُّلها من النَّمط التَّقليدي اليدوي إلى نمط حديث وأكثر إنتاجاً.
فالثورة الصناعية الأولى هي مَجموعةٌ من التغييرات في طُرق الإنتاج والصناعة، ويتمحور جوهر هَذه التَّغييرات في استبدال الآلات بالقوى العضليّة للعُمَّال.
لم يمر وقت طويل حتى كانت الثورة الصناعية الثانية والتي تمثَّلت في المَكننة، أي دخول الآلة كوسيط بين العامل والعمل، وبالتَّالي ازدياد العمليّات المُنجزة بمساعدة من الآلات، وفيها تمّ استبدالُ الآلات ببعض الوظائف العقلية للعامل، ممّا أدّى إلى حدوث قفزةٍ كبيرة وزيادة هائلة في حجم الإنتاج الصناعي، كما تمّ اعتماد الحواسيب اعتماداً فَعّالاً في الإنتاج، الأمر الذي أدّى إلى إمكانيّة استخدام الأتمتة (Atomization) في الإنتاج.
وتمثّل الثورة الصناعيّة الثالثة مرحلة جَديدة ومتطوّرة في الإنتاج الآلي الكبير؛ حيث تم إدخال عمليات الأتمتة في الإنتاج والمقصود بها عملية إدارة الآلات ذاتياً عن طريق التحكم الآلي، وباستخدام الأتمتة في الإنتاج أصبح نظام العمل مختلفاً، فقد حل نظام جديد يعمل بصورة منفصلة وعن بُعد، فلم تعُد هناك صلة مباشرة بين العامل والآلة، ونتج عن استخدامها ضبط أفضل لنوعية الإنتاج.
تميزت كل ثورة من هذه الثورات بنظام تعليمي مرتبط بما استحدثته من مخترعات أو أفرزته من تغيرات صبت وصهرت مع ما قبلها لتشكل خليطا جديدا للتعليم تبنى عليه الخطط وترسم من خلاله الأهداف. فعلى سبيل المثال، احتاجت الثورة الصناعية الأولى إلى مزيد من الفنيين مما أتاح للمجتمعات إرسال المزيد والمزيد من أبنائهم للتعلم في المدارس والتي كانت حتى وقت قريب مقصورة على أبناء الأغنياء.
أما تأثير الثورة الصناعية الثانية على التعليم فقد تم تحديده من خلال الابتكارات في مجال الاتصالات والنقل والتصنيع مما دعا عدد كبير من أفراد المجتمع لإكمال رحلتهم التعليمية. كانت مؤسسات التعليم العالي خلال الثورة الصناعية الثانية مختلطة وساعدت في تعزيز دور المرأة المتزايد في الأوساط الصناعية والأكاديمية. أما على مستوى المدارس؛ فقد زاد حجم الفصول في المدارس (30-40 طالبًا) واستخدم المعلمون السبورات وكذلك السبورات البيضاء.
قادت الثورة الصناعية الثانية العالم إلى مجالات جديدة وخاصة في الحوسبة والرقمنة والترابط القائم على الويب مما أتاح زيادة عدد طلاب الفصول ليصل إلى (100 طالب)، واستخدم المعلمون الورق الشفاف والإنترنت بالإضافة إلى السبورات واللوحات البيضاء. خلال كل هذه الثورات الثلاثة كان التعليم يسير في اتجاه واحد: مرسل ومتلقي، حيث يكاد دور الطالب أن ينحصر في استقبال المعلومات ولا توجد له أية مشاركة، بل وصنف الطلاب كونهم مستهلكين للمعلومات.
وجاءت الثورة الصناعية الرابعة لتتميز بدمج العوالم الرقمية والبيولوجية والمادية، فضلاً عن الاستخدام المتزايد للتقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء. اقترحت دراسة استقصائية حديثة أن المهارات الأكثر قيمة في المستقبل ستكون تلك التي لا تستطيع الآلات تكرارها بسهولة، مثل الإبداع والتفكير النقدي والذكاء العاطفي والقدرة على التكيف والتعاون. من ناحية أخرى، استفاد كل مجال تقريبًا من التقدم في الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، لم يتم إدراج هذا في نظام التعليم حتى الآن، لذلك هناك حاجة لإعادة اختراع التعليم في 4IR نظرًا لأن الذكاء الاصطناعي يكتسب أهمية أكبر، فإن الوظائف المستقبلية ستشمل القدرة على العمل معه، لذا فإن المعرفة الخاصة بالموضوع فقط لن تكون كافية. يحتاج خريجي المستقبل إلى أن يكونوا على دراية تامة بالبرمجة والتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتحليلات المتقدمة. يجب أن يتعلم الخريجون أيضًا المهارات اللينة من أجل البقاء والازدهار في اقتصاد 4IR، الذي يتميز بالتغيير المستمر.