عندما أتحدث عن أخي وصديقي العزيز الدكتور نزيه بن شجاع العثماني رحمه الله، فإنني أتحدث عن رجل اختصه الله لقضاء حوائج الناس. بدأت علاقتي به منذ نحو 20 عاماً أثناء دراستنا الدكتوراه في مدينة بتسبرغ الأمريكية، وعشنا معاً هناك قرابة 6 سنوات، قبل أن يعود هو لجدة وأنا للرياض، وفرّقنا بُعْدُ المسافة ومشاغل الحياة إلى أن كتب الله لنا أن نعمل سوية بمؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة» قبل أكثر من 3 سنوات.
فقيدنا الغالي كان مدرسة وقدوة لنا جميعًا فقد شهدت معه مواقفَ كثيرة ولا تحصى، فقد كان يستحضر بأفعاله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهرًا... ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يثبتها له ثَبَّتَ الله قدمه يوم تزول الأقدام».
مما تميز به أبو دانية أنه كان يمد يده لبناء الجسور مع الجميع، ولم يقتصر ذلك على الطلبة السعوديين في مدينته وخارجها بل امتد عطاؤه إلى أفراد الجالية الإسلامية بشتى مكوناتها. كما أنه برع في تنظيم الفعاليات وفي الخطابة أيام الجمع والأعياد، وفي دعوة غير المسلمين والتعريف بالإسلام، بل حتى في الدفاع عن حقوقهم والتعاون مع الجهات المناصرة للحقوق المدنية خاصةً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما صاحبها من مضايقات. وكان متميزًا في إلقاء المحاضرات النافعة وتدوين الفوائد الجميلة والتي من أجملها محاضرته عن العادات السبع للناس الأكثر فعالية المستنبطة من شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نشر جزءاً منها في مدونته.
أدرك قيمة الإعلام وأثره منذ وقت مبكر جدًّا- رغم أن هذا المجال لم يكن تخصصه الدراسي - وكانت فلسفته تقوم على أن الإعلام وسيلة أساسية لإيصال الصورة الصحيحة، ولم يكن ممن ينأون بأنفسهم عن الاحتكاك بالمجتمع الأمريكي من باب العزلة وعدم الحاجة لذلك. وقد بانت جهوده خلال الفترة التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث أشرف على العديد من المشاركات الإعلامية التي استهدفت تصحيح المفاهيم المغلوطة والصور النمطية عن الإسلام وعن المملكة العربية السعودية.
وبعد انضمامه للعمل في موهبة سخّر كل إمكاناته ومهاراته لخدمة الموهوبين، وبحكم أنه كان نائبًا للتواصل المؤسسي وتطوير الأعمال، فقد اهتم بإبراز الموهوبين إعلاميًّا، وقد أدى هذا الدور مع فريقه المبدع باحترافية عالية، حيث كان يحرص أن تركز التغطية الإعلامية على ما تعلمه الطلبة من خلال تسليط الضوء على تجاربهم المعملية، مع شرحها بطريقة سهلة وواضحة من أجل ترغيب بقية الطلبة للانضمام في برامج موهبة. كما سعى لتوضيح دور جميع الشركاء سواء من: الجهات التعليمية، والرعاة الماليين، بالإضافة إلى القائمين على رعاية الطلبة من إداريين ومعلمين ومدربين. لم يكتفِ بنقل الخبر، إذ كان شغوفاً بكشف ما وراءه من مشاعر وأحاسيس ليحكي كامل التجربة، وكيف أثرت على الطالب ومجتمعه الصغير من حوله من آباء وأمهات ومعلمين.
من أكثر ما تعلق به الدكتور نزيه - حتى قبل عمله بشكل رسمي في موهبة - هو الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي «إبداع» والذي يؤهل للمشاركة في المعرض الدولي للعلوم والهندسة «آيسف» بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان يقدم أكبر دعم ممكن للطلبة مستفيدًا من خبرته في هاتين المسابقتين العلميتين. كان يحرص على توضيح ملاحظاته البنّاءة للطلبة ليس في مجال تخصصه فقط، بل أيضاً في المجالات الأخرى، إضافة لدعمه المعنوي للطلبة وتعزيز الثقة بقدرتهم على التقديم والمنافسة. كما أنه أحدث فرقًا كبيرًا في تقديم أعضاء رابطة موهبة محليًّا ودوليًّا، ودائمًا ما كان يستشعر حكمة «كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه حولك في العالم».
أخيرًا فإن في وفاته عظة لنا جميعًا وتذكرة باستشعار أن الدنيا دار ممر والآخرة هي المستقر، الفائز من استعد بالأعمال الصالحة من صلاةٍ ودعاءٍ وصدقةٍ، وبر والدين وصلة رحم وحسن معاشرة أهله، وتربية أبنائه، وقضاء حوائج الناس، وغيرها من أوجه الخير الكثيرة.
خالص العزاء لوالدته وزوجته وابنته وأبنائه وأخته وإخوانه وجميع ذويه، والعزاء موصول لأصدقائه وزملائه ومجتمعه ووطنه وأمته.
طبت حيًّا وميتًا وطابت ذكراك وأياديك البيضاء للمبتعثين والمغتربين ولطلبة موهبة ولكل من عبر بينهم.
** **
د. باسل بن عبدالله السدحان - نائب أمين عام موهبة لخدمات الموهوبين