د. محمد بن إبراهيم الملحم
المعلومة الثالثة المهمة لاختيار التخصص بعد فهم التخصصات ومعرفة مدى الطلب على كل منها هي ميول الطالب المهنية، فمتى تكامل هذا المثلث المهم تمكن الطالب من اتخاذ قرار سليم في اختيار تخصصه الذي سيحدد مستقبله. ويقصد بميول الطالب المهنية Career Attitude هو تحديد المجالات المهنية التي تتوافق مع شخصية الطالب وقدراته المعرفية، وليس المقصود بها ما الذي يتمناه الطالب، وهنا فرق دقيق، فقد تكون أمنية الطالب منطلقة من تشجيع خارجي أو ضغط اجتماعي نحو مهن معينة يكاد يجمع عليها كل من حول الطالب أنها هي المستقبل فقط، أو ربما يكون التوجه المالي في كون هذه المهن ذات رواتب أعلى بكثير من غيرها قد شكل دافعا داخليا لدى الطالب وفي منطقة اللاوعي أنه «يتوجب عليه» أن يتخصص في هذه التخصصات فقط، فعندما تسأله ما ميولك المهنية يجيبك أنها إحدى هذه المهن. كل هذا يكون في الوقت الذي لو قسنا قياساً سيكولوجياً علمياً السمات الشخصية لهذا الطالب، وكذلك تعرفنا على قدراته المعرفية أو الأكاديمية كمًّا وكيفًا لوجدناه لا ينتمي إلى تلك المهنة التي قال عنها إنه تمثل «ميوله المهنية». فمثلاً شخص يتمنى أنه يكون إعلامياً بارزاً لكنه لا يملك السمات الشخصية اللازمة لذلك من طلاقة الشخصية ومقبولية الهيئة وكاريزما الإطلالة الإعلامية، وكذلك قد نجد شخصا يتمنى أن يكون طبيباً بارزاً بينما هو لا يملك مقومات دراسة الطب والتي أبرزها طول النفس في طلب العلم نظراً لطول فترة هذا النوع من الدراسة سواء أثناء الجامعة أو فيما بعدها فهو وإن كان جيداً في قدراته المعرفية العامة من حفظ وفهم لكنه ملول لا يحب أن يكرس وقته للاستذكار لمدة طويلة كما أنه لا يصمد لوقت طويل كما هو حال دراسات الطب، وبنفس المناقشة يمكنك أن تتوقع كيف تتناقض السمات الشخصية للطالب مع آماله أو طموحاته الشخصية دون أن يدرك ذلك خاصة إذا تأملنا خبرات الطلاب الحياتية البسيطة ومحدودية إلمامهم واطلاعهم وكذلك احتكاكهم بأصحاب هذه المهن التي يطمحون لها، وعندما نقول ذلك فلا نقصد الحالة التي تتوسط فيها السمات بين هذا وذاك فيكون الشخص قابلا أن يكون في نطاق مهنة معينة وإن كانت مهنة أخرى تناسبه أكثر، بيد أن المهنة الأولى مستقبلها أفضل وهو بالنسبة لها ملائم بدرجة معقولة، فهذه الحالة لا نتكلم عنها ولكن نشير إلى الحالة التي تظهر فيها الفروق واضحة فيما بين متطلبات المهنة وما يملكه الطالب مندرات أو سمات.
السؤال الآن كيف يمكن للطالب معرفة ذاته واكتشافها؟ الجواب له عدة أوجه فهو أولا يبدأ في دور الوالدين والمربين والذين يتعرفون من خلال المخالطة المستمرة للطالب ما هي حدود قدراته وما هي أبرز سماته، وبالتالي يتوقع منهم أن يضعوا الصور جوار بعضها بعضا ويقدموا النصيحة للطالب ويساعدوه على فهم نفسه، ولا ينبغي أن يبالغ الوالدان والمربون في ذلك بل لابد لهم من إتقان قراءة شخصية الطالب وتعلم فن هذه القراءة بتثقيف أنفسهم وتعميق فهمهم لهذا المجال لتكون نصيحتهم في محلها لا عكس المتوقع لا سمح الله.
والواقع أن المؤسسات التربوية مقصرة في مسألة توعية الوالدين وتثقيفهم (وكذلك المربين والمعلمين) حول أسس اختيار التخصص ومهاراته وأدواته ومتطلباته المعرفية، فإن لم توفق هذه المؤسسات في تكوين قاعدة بيانات حول التخصصات ومجالاتها وفرصها الوظيفية نمواً وتقلصاً كما تقدم تفصيله في المقالتين السابقتين من هذه السلسة، فلا أقل من أن تقوم بجهود توعوية ذات مستوى نوعي عالٍ وكم مكثف كافٍ لنشر الحد الأدنى من المعرفة المطلوبة في هذا المجال، بل إنه تمر علينا أحياناً حالات لطلاب قَدَّم لهم النصيحة أحدُ الوالدين أوأحدُ المربين في المدرسة بطريقة تكشف عن نقص واضح في مهارة الناصح وخلفيته المعرفية في هذا المجال. وللحديث بقية حول طرق أخرى مهمة يمكن أن يتبعها الطالب.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً