مها محمد الشريف
بعد عقدين من غزو العراق ماذا تغير في الشرق الأوسط؟، مع كل ذكرى لحرب العراق يعاود المرض جسد الدولة، ولم يستطع أن يحصل على تلك الحياة الجديدة دون تضحية، فقد كانت مرحلة شديدة الاضطراب فقبل 20 عاماً بالتمام والكمال، تستهل المقالة أحداثها باستعراض تداعيات الغزو في خطوة عسكرية أحدثت تحولات إستراتيجية ما زالت ماثلة في المنطقة، قصة تتجدد أحداثها في فزع ورعب هائلين، فما كان يُعرف من هو المخطئ ومن هو المصيب؟، كانت الناس تذبح بعضها بعضاً تحت تأثير غضب وحشي، ويجتمعون ليشكلوا جيوشاً كبيرة.
في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، الذي أشار إلى أن الغزو بعملية تحرير العراق، وقرعوا أجراس النفير فكان العالم كله في حركة وصخب، يتبادلون التهم، وتركوا الشعب وسط حرائق تلتهم المحلات والأبنية، وعمت الفوضى وتفرقت الصفوف، بعد مضي عقدين، تعود عدة وجوه سياسية ودبلوماسية إلى الواجهة، سواء في الولايات المتحدة أو في دول حليفة لها، وسط تساؤلات حول دورها في غزو العراق، لا سيما أن المبررات الأميركية التي كانت ذريعة لبدء الحرب تبين أنها لم تكن صحيحة.
من الطبيعي لهذا الغزو أن يكون قد تسبب بقدر كبير من الخسائر البشرية والممتلكات بل تدمير البنية التحتية بالكامل، وتسبب الغزو أيضاً بنشر الفوضى بالمنطقة وشجع ظهور المليشيات الإرهابية ومحاولات نشر النزاعات الطائفية وتعزيز حضور الأحزاب السياسية على أساس ديني مثل الإخوان المسلمين، وهذه الحرب لم توقف طموحات إيران بمشروعها النووي.
فالمندوب الروسي في مجلس الأمن قال: إن الدول الغربية رفضت مناقشة الذكرى العشرين لحرب العراق، لا نبالغ إذا قلنا إن أهم ما جاء به العصر الحديث التقنية والعلم والحرب والعنف والتفكك والظلم، واجتمعت كل التناقضات في نظرية نسبية من كل شيء، فكان التطور مساوياً للقتل، لقد أوقفوا ساعة الماضي لتحل مكانها لحظات الحاضر المتسارعة وتأجيج مزيد من الصراع الذي أودى بعدد كبير من المدنيين الأبرياء، مجتمعات تندد بالإرهاب يومياً وتنادي بحقوق الإنسان في كل المحافل، ولكن هناك من يملك صلاحية مطلقة لفرض العقوبات على شتى أنحاء العالم.
فذلك يُفهم من جهة المنطق أن كل عصر مرهون بوعي أهل زمانه ويعني أن هناك اختلافاً جوهرياً بين الأزمنة وأهلها، ولكن كل شيء مازال يتكرر، فهذه الحياة التي يتقاسمها العالم مع الآخرين بكل إشكالياتها وتفاصيلها واختلافها تخضع لأزمات معقدة، فأين عرابو غزو العراق من الاعتذار بالخطأ كما فعل الشريك توني بلير، أين هم اليوم بعد عقدين من الحرب؟
ومهما كان رأينا في الحرب يجب التنويه بأن الولايات المتحدة وبريطانيا كرستا جهودهما لإقامة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، وكان غزوهما العراق عام 2003 خلف قرار مجلس الأمن رقم 687 بدعوى أن صدام حسين لم يمتثل للحد من برنامج أسلحته النووية حسب زعمهما.
يجدر بنا أن نقول، إن الإنسان يستطيع توحيد مفاهيمه وقدراته تحت قوة الزمان الذي يعيشه، مادام المرء يتحرك في إطار علاقة ملتبسة بين الحق والباطل، فالتقنية الهندسية لمصير الإنسان التي حددها كثير من العلماء والفلاسفة حولت الحياة برمتها إلى حياة تكنولوجية تلعب الأحداث السياسية والاقتصادية أدواراً رئيسية فيها، وأعادت العصر إلى سابق عهده من العنف الذي زعزع يقين الشعوب حول سلام دائم، وخلخلة البنية الاجتماعية والسياسية الاقتصادية.
على الرغم من أن التحديات اليوم أوروبا الشرقية، والتزام واشنطن بإخراج أوكرانيا من فلك موسكو وإلحاقها بالغرب، إلا أن منطقة الشرق الأوسط والكامن وراءها يتصدر الأولوية مع روسيا والصين، الأمر الذي ينطوي على أهمية خاصة، وإبقاء القوات الأميركية في العراق، بعد مرور نحو 20 عاماً على غزوها، شواهد متناقضة في ظل تصاعد الأزمات الدولية والإقليمية، فمازال العراق يحظى بأهمية قصوى لدى واضعي سياسات أمريكا، فواشنطن متمسكة بلعب دور رئيسي في العراق وبالمحافظة على نفوذها فيه لما يتمتع به من أهمية جيوسياسية واقتصادية، في ظل احتدام التجاذبات العالمية وصراعات السيطرة والفضاءات الحيوية بين اللاعبين الكبار، ولا سيما بعد دخول الصين للمنطقة.
فالبحث عن معنى الحياة في هذا العصر إنما هو بحث عن وعي غير فاقد للأهلية، ويحق للإنسان التعايش السلمي الذي ينبذ العنف وينكر التدخلات الغربية في الشرق الأوسط وإفريقيا، والتوقف عن رفع وتيرة التوترات والانقسامات وصناعة الحروب.