سارا القرني
لوحظ في السنوات الأخيرة تفشي ظاهرة أصبحت بمثابة جرثومة اخترقت نظام المجتمع، مرض يصيب الجميع، المتزوجة والبكر، الصغير والكبير، ولا يعرف الفرق بين محجبة وسافرة، فالجميع عرضة لهذا المرض. إنها جرثومة التحرش بكافة أنواعه وبشكل عام القضية التي شغلت الرأي العام وأصبحت محل اهتمام المدركين لخطورتها؛ ما اضطرهم إلى البت سريعًا في الأمر لإيجاد علاجٍ لها وإيقافها.
للأسف نحن مجتمع نُعلي قيمة جسد المرأة، فنضع كل اللوم عليها وكأنه تعالى لم يقل في كتابه الكريم: {قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}. فالقول بأن السبب هو لباس المرأة المثير والمغري مقولة غير صحيحة. وقد أظهرت دراسة أجراها المركز المصري لحقوق المرأة أن أغلب من تعرضن للتحرش هن المحجبات! وهذا الرأي يعالج ما ظهر على السطح فقط، بناء على رؤيته القاصرة دون أن يتطرق إلى أسبابها..
أما الرأي الآخر فحوّلها إلى ظاهرة نفسية، قاموا بدراستها وتحليل جذورها العميقة التي تسبب هذه المشكلة وما ينتج عنها في آن واحد.. فعرّفوا التحرش بأنه أي صيغة لفظية غير مقبولة أو أي فعل يغلب عليه الإيحاء الجنسي.
الأمر الذي ينتهك جسد شخص ما أو خصوصيته أو مشاعره، وتجعله يشعر بعدم الارتياح، والتهديد، والإهانة، والترهيب حد الانتهاك أحيانًا. لذا؛ فهي ظاهرة مركبة متعددة الأسباب تفصح عن نفسها في أكثر من مكان.
وقد عول الباحثون تفشي التحرش بمجمله إلى عدة عوامل تشجع تلك الممارسات، منها صمت مَن وقع عليه الفعل خشية الفضيحة، فهذا يشجع على انتشار تلك الظاهرة.
والعامل الأهم، انحلال القيم والمبادئ عند مَن يحاول بشدة مواكبة الحياة المعاصرة التي تفرض عليه أكثر من نمط سلوكي جديد قد يتنافى مع قيمه التقليدية؛ ما يجعله فريسة سهلة لازدواجية السلوك.
وأخيرًا.. لا ننسى رغبة بعض الرجال الملحة في إثبات قدرتهم على ترويض النساء إرضاءً لغرورهم فيتقمصون شخصية (الدونجوان).
لذا، فإن جميع ما سبق ذكره بالإضافة إلى تراجع الوازع الديني والسلوك الفردي الخاطئ واختفاء القيم والعادات التي تربينا عليها من الصغر مثل مفاهيم الشهامة والرجولة التي طُمست، فتحت للتحرش عدة أبواب.
اليوم وبفضل قانون التحرش الذي أقره مجلس الشورى مؤخرًا تستعد المرأة السعودية للتشهير بكل من يتحرش بها، فإن القانون الذي جرم التحرش وعاقب مرتكبيه يعطي المرأة شعورًا بأنها كينونة قوية مستقلة تشارك الرجل في جميع مجالاته، قادرة على مواجهة المشكلات وصدها أيًّا كان مصدرها؛ ما يجبر المجتمع برمته على ازدراء هذا الفعل الشائن واحترام كل من تصدى له!