عثمان بن حمد أباالخيل
(كلنا عيال قريّة وكلٌ يعرف أخيّه)، (عيال قريّه وكلٌ يعرف خيّه)، هذا المثل ينطبق تماماً في السبعينات الميلادية في قرى مملكتنا الغالية، أما اليوم فأصبح بيننا الآخر الذي يختلف معنا في اللون اللغة (اللهجة) والدين والعادات. وفي رأي اختلف مفهوم الآخر وتوسعت دائرته لتشمل الأخ، الأخت، الصديق، الجار، زميل العمل، الزوجة، العم والعمة والخال والخالة والصديق. وهذا التوسّع جاء مع تغيير ظروف الحياة واختلاف مفاهيم كثيرة. لا شك أن هناك حدودًا يضعها الإنسان ليحدد الطريقة الملائمة والمريحة التي يتعامل بها مع الآخرين والتي لا تخرج عن دائرة رضا النفس. إنّ وضع حدود في العلاقات الأسرية والاجتماعية، تحفظ خصوصيات واحترام الناس بعضهم لبعض أدى إلى التباعد الأسري وخلق فجوة في طريقها للتوسع، في السبعينات كان الأبواب مفتوحة ومن السهل الدخول على بيت عمك أو خالك كل ما عليك أن تصدر صوتًا ليعرفوا من الداخل.
إن ثقافة اللون الواحد واللهجة الواحدة وثقافة إلغاء الآخر وتهميشه سوف لن تؤدي إلا للتباعد الاجتماعي الذي جاءنا من وسائل التباعد الاجتماعي وخلق جو غير مريح. لكي ينعم الإنسان بالراحة النفسية عليه أن يتقبّل الآخر. ومن العوامل التي تساعد على قبول الآخر، المحبة واحترام الآخر وتشجيعه والإنصات إليه وسماعه وإعطاؤه فرصة للتعبير عن رأيه ومعرفة فن الإنصات والحوار مهما مع ذلك الإنسان وإن اختلف معك في دينيك ولغتك. الآخر هو غير المسلم أو المسلم أياً كان، أم هو غير المواطن، أم الذي يحمل جنسية بلد آخر. وعليك أيها الإنسان أن تقتنع إنّ المجاملة كلام معسول يلطف العلاقات بين الناس. هذا كله لا يمنع أن يضع الإنسان حدودًا بينه وبين الآخرين والتي تفصل بين ما يجده مقبولاً وما يجده غير مقبول في تصرفاتهم تجاهنا وقدر اقترابهم منا. ديننا الإسلامي يحثنا على عدم كراهية الآخر بناءً على الدين أو الأصل العرقي أو الجنسية أو اللون أو النسب أو الجنس أو أي عامل هوية آخر فالناس سواسية.
ثقافة الكراهية هي سلاح «العاجز إنسانياً» الذي يسعى إلى تدمير غيره، ولكنه لا يهنأ في حياته لأنه يدمر نفسه بنفسه في نهاية الأمر. (لا تبادل الكراهية بالكراهية مع أحد، أحرجه بالطيب، فيصبح بين أمرين: إما أن يكفيك شره، أو يخجل ويتحول إلى صديق). الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي -رحمه الله.
التخلص من الأفكار السيئة والظنون والوساوس والنظرة التشاؤمية في تقييم الآخر الذي تستحق الثقة هو دليل النضج الفكري والقدرة على التقييم بعقلانية وإلا سيجد الإنسان نفسه وحيدًا، فالثقة جوهر العلاقات الإنسانية. (الشك ألم في غاية الوحدة لا يعرف أن اليقين هو توأمه.) جبران خليل جبران.
لم أجد في حياتي أجمل من التعامل مع الآخرين بروح المحبة والتسامح، وهذا ما أمرنا به ديننا الإسلامي، قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.