منال الحصيني
سبحت أفكاري في فضاء ذهني ككاتب يجتّر تخيلاته تاركاً قلمه يخُط كلمات تنبع من إرث جمعي...
أختار تصوير أنفاس النساء اللاهثة عن إزالة تراكمات رواسب القمع عن قلوب ترغب التحرر من رِق الأعراف والمفاهيم المغلوطة.
فلا ريب أن قضية المرأة هي الشغل الشاغل على ما تبقى من عمر البشرية.
فمن شرفتي العالية أرقب مساء الآخرين، أبوابهم المؤصدة في النهار تكتم أسرار القلوب، عتمة الليل تمنحهم إحساساً مريحاً بالوحدة فيشرّعون آلامهم على الشرفات ويسمحون لبكائهم المكتوم بالتسلل على إيقاع عقارب الدقائق تتلاشى بهدوء حتى قدوم الفجر، أُحب النظر إليهم عن بعد حتى أكاد أراهم يتجردون بلا وجل..
كنت أنظر في نهار هذا اليوم من خلال الشرفة ذاتها وهم يلعبون لعبة (الأب والأم), فِعل معتاد في الطفولة فليس في ذلك تلبية لاحتياج بيولوجي، لكن ربما سببه اشتياق لإتقان دور البشر الناضجين، فتوهُج مشاعر (الابن) حيال أبيه بتمثيله هدفاً له في الحياة يكون مشاعره حيال والدته هي هدفه الرومانسي.
صورة ذهنية جميلة.. لكن ماذا عن تلك البراءة التي قوبلت بالخبث. عندما أرادت الطفلة اللعب ببراءة أراد الأطفال الأكبر منها سناً اللعب بها؟
أغمضت عيني لأتذكر فصول المشهد ثمة موروث مغلوط، جعل الاشتعال مع الانطفاء يتعاركان في مخيلتي كما لو أني أرى بين الرماد وميض جمر وأحرى أن يكون له جذام.
قطع حبل أفكاري المتصل صوت جهور من شرفة مجاورة كأني أعرف أنين تلك المكلومة فنسائم الليل تأتي به منذ زمن ليس بالقريب.
صراخ واستعباد ووابل من الأوامر والتهكمات، استمد بها مشاعر عظمته المكذوبة وقوته ليمارسها وبكل جهل وعنجهية على ما ملكت يمينه، فصب جام جبروته وقوته الفارغة على أنثى.
مُدعِّماً سلطته عليها بمنظومة متكاملة من الأعراف والتقاليد المغلوطة والتي تبدو ما تزال قائمة بشكل محدود رغم كل التحديثات التي طرأت على مجتمعنا.
استرقت النظر إلى حيث باحة الأطفال في مسرح لعبة البراءة المزعومة، حيث ذلك الرجل طويل القامة عريض المنكبين لم يخف جناح الظلام تفاصيل جسده، يلتمس حوائج أرملة الحي، فبدأ قلبها ينبض وبدأت العيون تسترق النظرات ولكن هيهات لعينين اعتادتا الظلمة حتى آلمها انبثاق الضوء فجأة فتلجأ للإغماض.
إنه الصراع النفسي العنيف بين رغباتها في العتق من قيود الوحدة وبين ما تراكم بداخلها من مفاهيم ومراعاة للتقاليد وربما خوفاً من العار.
يبدو أن طوق العِفة قد أنجاها حيث كان هو الأقوى من نبضات واهنة ونظرات خجولة.
لعلي أسترق السمع في القريب العاجل عن ما إذا كانت تلك الوقفات المشرفة بجانبها ملؤها الصدق أم أنها رواية أخرى بعنوان ذئب بريء من دم أرملة الحي.
أوشك الفجر على الانبثاق ونجمته كعادتها تبدو أكثر تألقاً...
سمعت نداء قلب إحداهن لذلك «الحب المسروق».
عنيته في وضح النهار، متمثلاً في رجُلٍ خُطف برضى تام منه.. وهل لممتلكات الآخرين أن تسرق؟، ربما وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
أنا لم أشتط بشأن الرجل هذا هو واقع البعض، كنت فقط أرصد الأحداث بكل تناقضاتها واختلافاتها أجزم أن عجلة الكون لا تدار بكتم الأوجاع.. قولاً واحداً.. الضجر يشكل الخطوة الأولى لطريق التمرد.
ها قد بدت خيوط الشمس تتسلل داخل شرفتي، ضج الكون وعادت الحياة، صوت ما بداخلي لم يهدأ هو الآخر.
لماذا أثرن السجن داخل تلك المرايا وقبعن في جنبات جدرانه بتفاوت درجات ذلك.
رزنامتي تشير إلى الثالث والعشرين من يناير للعام الخامس عشر بعد الألفين.
نساء الشرفات كن يطمحن بتحقيق الرغبة الملكية...
وعندما أشرفت ساقيتي على الجفاف ونضب معيني، ضجت النساء فرحاً بقرارات ملكية حيال تغيير أمور مغلوطة يشوبها التضليل رغم قوة التحديثات الموجودة...
جاء الرجل الملهم ونص على تفعيل الحقوق الموجودة.. طرق مسامعي صوت يؤكد للجميع إنه سيواصل المسيرة ويدعم حقوق النساء، إني أسمعه... (أنا أدعم السعودية، ونصف السعودية من النساء، لذلك أنا أدعم النساء).