رمضان جريدي العنزي
هناك من الناس من يتميز بمروءة ونبل عالٍ، حتى أن النبل يصبح عنده كالنهر الجاري الذي لا يتوقف، لقد طرق مسامعنا قصة الطبيب المصري الراحل محمد مشالي -رحمه الله، طبيب الفقراء كما كان يصفه الناس ويلقبونه، عندما سألوه مرة لماذا لم يكوّن ثروة مالية كبيرة كما أقرانه من الأطباء سيما وهو المشهور وصاحب الخبرة الطويلة والعلم والتمكن، فقال كلمة المشهورة: (هعمل إيه بالملايين، أنا ساندوتش فول وطعمية بيكفوني)، لقد لفظ الجشع والطمع وفضل القناعة والقليل والرضا وتاجر مع الله، وفق روح نبيلة عالية، وحس إنساني راقٍ، وشعور قويم، ومواصفات آدمية عالية، والتي أصبحت اليوم قليلة وشحيحة ونادرة في زمن الماديات، والركض المجنون وراءها ولها بنهم شديد، دون حد ولا سقف ولا تمهل، لقد تعامل وتفاعل مع المرضى الفقراء بإنسانية لا مثيل لها، بمقابل مادي زهيد جداً، حرصاً على سلامتهم وأوضاعهم وأحوالهم المادية الصعبة، لقد عز عليه حالهم، فعمل وفق ما يمليه عليه ضميره، بروح الإنسان الشفيق، والزاهد في المال، ساعياً إلى إسعاد الناس، فكشف بذلك عن نبله وإنسانيته وضميره الحي، أن هناك من يسعى سعياً حثيثاً إلى المال بكل ما أوتي من قوة، ولا يهتم إلا به وبجمعه وكنزه، ولا تهزه أي قضية إنسانية أو اجتماعية، وهذا الفرق بين الإنسان المتحرك النابض الحي، والإنسان المتكلس الجامد، أن تداول قصص وأخبار النبلاء يترك أثره على كل النفوس الصافية النقية، ويدفعهم للعمل مثلهم، والاهتمام بالعطاء النبيل، والمشاركة الاجتماعية الفعالة، أن النبلاء الحاملين لهموم الإنسان، هم من يجب أن يحضوا بالاحترام والتقدير والإجلال، باعتبارهم مصابيح مشعة لا تنفك أن تضيء زوايا الحياة ودروبها، وفق عناوين الحب والتحنان والرقة وتقديم الدعم والعون والمساعدة للآخرين، وهي صفة النفوس الودودة الراقية التي يمور ماء النبل والمروءة في وجهها.