علي الخزيم
يتجدد الحديث العلمي التأريخي التوثيقي التراثي عن آثار المناطق الشمالية بالمملكة العربية السعودية، كما يدور حديث مماثل بمجالس العامة مبعثه الاهتمام الوطني بآثار وتاريخ المملكة وحضارات وثقافات الأجداد ببلادنا الطاهرة، ومن ذلكم منحوت كإنسان تعلو مُحيَّاه الحَيرة والتأمل حول شيء ما يُشغل باله مما يبدو من الشكل وكما يُفسره علماء الآثار وقدماء سكان قرية (أبو الحَيْران) جنوب غرب منطقة حائل؛ فقد اتخذت القرية اسمها من حَيرة صاحب الشكل الحجري المُكوِّن لجزء من جسم إنسان يقول بعض علماء الآثار إنه ربما جاء بتعاقب مؤثرات طبيعية من مطر ورياح ونحوها فكان نحتها للصخور الجبلية والأحجار من حولها كمن يرسم لوحات بديعة أثرية ليبقيها شاهدة للأجيال اللاحقة على حضارة وثقافة أقوام سالفة بتلك المناطق من المملكة.
غير أن آراءً تتداول مفادها بأنه لا يمكن أن تكون جميع تلك الآثار والصخور المنحوتة بأشكالها الفنية الجميلة المؤثرة قد جاءت جميعها بالصدفة من أثر عمليات التعرية الطبيعية البحتة، ويستدلون بأنه إن كانت تلك العوامل قد شكَّلت صخرة كرسم لجسم إنسان أو حيوان فلن تكون قد فعلت الشيء ذاته بصخور قريبة أو بعيدة نسبياً عن أخواتها وبالإبداع والهندسة والخطوط الجمالية المُجسّمة للصور والرسوم التي ما زالت تجتذب الكثير من السياح والزوار من داخل المملكة وخارجها للاستمتاع بمشاهد تلك الآثار اللافتة التي تؤكد -برأيي- على أن مناطق شمال المملكة وشمالها الغربي تضم كغيرها من مناطق المملكة آثاراً هامة تحمل دلالات دامغة على استيطان أقوام وأمم غابرة بجزيرة العرب وتحديداً بأراضي المملكة بحدودها الحالية، كحضارة مدين وغيرها مما يشاهد بينبع وتبوك وما حولها، وكما بالمدينة المنورة ومكة المكرمة وما جاورهما الكثير من المعالم الأثرية التاريخية التي تتحدث بذاتها عن تاريخ ظاهر للعيان لا يمكن تجاهله، ومن الشواهد التي كشفت عنها الهيئة السعودية للمساحة الجيولوجية (الجمل) البارك بين صخور منطقة تبوك التي تضم صخوراً مذهلة ومميزة جعلتها من أبرز الوجهات السياحية ومقصد الباحثين عن الآثار ولهواة الرحلات وعشاق المناظر الطبيعية، وغير بعيد منها صخرة بشكل حوت هائل، وعلى بعد عشرة كيلومترات من مدينة العُلا تجد جبل الفيل الضخم على ارتفاع 52 متراً بخرطومه الطويل المتدلي نحو الأرض، وتُحيط بجبل الفيل العديد من الصخور ذات التشكيلات الصخرية البديعة.
وأميل إلى أن الآثار الشهيرة ببلادٍ ليست بعيدة عن المناطق المذكورة هنا ليست إلَّا جزءاً أو امتداداً لتلك الحضارات التي ازدهرت قديماً بالمناطق التي تُكوِّن حدود مملكتنا الحبيبة، ويُعزز هذا الرأي تشابه المنحوتات والتشكيلات المرسومة للإنسان والحيوان، وبمنطقة حائل تكثر الرسومات البديعة للحيوانات السائدة آنذاك ومدوَّن بجانبها اسم الجمل مثلاً لجودة سلالته؛ وصاحبه لشهرته، كما أن مُنفّذ النقش أو النحت قد دوَّن اسمه عليها لتوثيق المرحلة ومن عاشوها، وثمَّة دعوات موجَّهة للجهات المختصة بالسياحة والثقافة والآثار والجهات ذات العلاقة بتلك المناطق لمزيد من الاكتشافات والتوثيق وحمايتها من الاندثار وعبث العابثين، وتعبيد الطرق لتسهيل وصول السياح إليها، وتوفير المزيد من الخِدمات والمشروعات التطويرية الجاذبة للسياح والزوار.