لقد اقترب الشهر الفضيل واقتربت معه الرحمة والمغفرة إن شاء الله، ولم تبق سوى أيام معدودة ويهل علينا هلال أعظم الشهور، وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، شهر العبادة والإحسان، فما أن يهل هلاله حتى تهب النسمات التي تملؤها الروحانية والحرص على تهذيب النفس والتسابق في الخيرات.
يأتي رمضان ليغسل أرواحنا وقلوبنا المنهكة من ترسبات الحزن والضيق، ويعود لنا الطمأنية والهدوء، فما أحلى أيامه، وما أحلى لياليه، أيامه فرصة عظيمة لتجديد العهد مع الله، والبدء بصفحة جديدة في حياتنا خالية من الذنوب والمعاصي، فلا توجد في الدنيا أعظم من هذه الفرصة السنوية المتجددة.
في الشهر الفضيل، حين يرق الأفق وتزهر النجوم ويصفو الكون، يتجلى الله على الوجود يعرض كنوز فضله وإحسانه على الناس ويفتح لهم باب رحمته ويقول: «ألا من مستغفر فأغفرله؟.. ألا من سائل فأعطيه؟.. فيسأل الطالب ويستغفر المذنب، فيعطي السائل ويغفر للتائب.. وتتصل القلوب بالله فيحس الإنسان بلذة لا تعدل لذاذات الدنيا كلها، ثم يسمع صوت المؤذن يمشي في جنبات مشي الشفاء في الأجسام والطرب في القلوب.
رمضان الذي نجتلي فيه أجمل صفحات الوجود، وما كنا لنجتليها قبل رمضان، لأن الحياة سفر في الزمان، يحملنا قطار الأعمار، فإذا قطع بنا أجمل مراحل الطريق، أجمل محطة من محطات الحياة، حيث يولد النور، وتصفو الدنيا ويسكن الكون، فيسري الإيمان في كل جنان، ويجري التسبيح على كل لسان، وتنزل الرحمة في كل مكان.
رمضان شهر الصبر والمواساة وصلة الأرحام وموائد الرحمن، والأعمال التطوية والمنافسة والمسارعة في الخيرات، يعلمنا هذا الشهر ضبط السلوك وكظم الغيظ والعفو عن الناس حيث نحقق من خلال الصيام خلق الصبر.
رمضان الضيف السنوي الذي يحمل في أجوائه آمالاً عريضة لكل من عضه الدهر وأوجعه، لكل من عاندته ظروفه وقست عليه، لكل من ضاقت عليه الدنيا وصبر، لكل من خانته صحته وقواه الجسدية وأقعدته عن العمل والعبادة، وسط كل هذه الأجواء يأتي شهر الله حاملاً البشائر لكل هولاء الذين فقدوا آمالهم ويئسوا من حياتهم.
رمضان الذي تتحقق فيه معاني الإنسانية، وتكون المساواة بين الناس، يشترك الناس كلهم في الجوع وفي الشبع، يحس الغني ألم الجوع، ويعرف الفقير قيمة نعمة الله، يغدو الناس كأنهم في أسرة واحدة أو رفاق في مدرسة داخلية، يفطرون جميعاً في لحظة واحدة ويمسكون جميعاً في لحظة واحدة.
رمضان هو ضيف خفيف، سريع الرحل، فيجب أن نرحب به وننهل من خيراته قبل أن يداهمنا الوقت، فأعاده الله علينا وعليكم هذا الشهر باليمن والبركات.