احتفلت تونس أمس الاثنين 20 مارس 2023، بالذكرى السابعة والستين لاستقلالها، وهي مناسبة يعيد فيها الشعب التونسي استذكار ما بذله الأجداد من تضحيات لتحرير البلاد من نير الاستعمار، وبناء دولة الاستقلال.
وتظل هذه الذكرى، مناسبة وطنية خالدة ومنعرجًا مفصليًا وحاسمًا في تاريخ تونس، التي يسير أبناؤها على خطى من استشهدوا وبذلوا الدماء والأرواح في سبيل استكمال بناء مقوّمات الدولة الوطنية على أسس السيادة والحرية والكرامة، بما يحقّق لتونس عزّتها ومناعتها.
فالتونسيون يحيون ذكرى استقلال بلادهم وهم يتطلعون إلى المستقبل بكثير من الأمل والتحدي، بعد أن نجحت تونس في استكمال مسارها السياسي الجديد بفضل تماسك شعبها التوّاق إلى مستقبل أفضل، والمستبسل في الدفاع عن دولته الحديثة التي يسعى إلى مزيد تعزيز أركانها في كنف الجمهورية الجديدة، وما يقتضيه ذلك من عمل دؤوب وبذل مزيد من الجهد والعطاء لرفع التحديات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، يداً بيد مع قيادته التي تنشد إعادة المجد للبلاد.
فمنذ أيام قليلة وضعت آخر اللبنات بعد أن عقد مجلس نواب الشعب المنتخب جلسته الافتتاحية يوم الاثنين 13 مارس 2023، استكمالاً لخطة الطريق التي سبق أن أعلن عنها سيادة رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد، في احترام كامل للآجال المحدّدة لتنفيذها، بعد إجراء الاستشارة الوطنية، والاستفتاء على دستور جديد للبلاد، وذلك من أجل تحقيق تطلعات الشعب التونسي في بناء دولة القانون والمؤسسات.
وكعادتها، كانت المملكة العربية السعودية سندًا رئيسيًا لكل ما من شأنه أن يدعم أمن تونس واستقرارها، وتحقيق الازدهار والعيش الكريم لشعبها. فالمواقف الثابتة للمملكة عبّرت عن متانة العلاقات الأخوية وتجذّرها بين البلدين الشقيقين، متجاوزة بذلك حدود المصالح المادية والمنافع الوقتية إلى آفاق أبعد وأرحب ترجمتها الوقفة التضامنية لحضرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مع تونس، في عديد المناسبات، خاصة خلال جائحة «كوفيد 19» من خلال إسداء توجيهاته السامية بتسيير جسر جوي متواصل إلى تونس تضمّن مليون جرعة من اللقاحات والعديد من المعدات والمستلزمات الطبية المهمة والأكسيجين، لدعم جهودها في مكافحة هذا الفيروس، بالإضافة إلى التوجيهات الكريمة بتخصيص هبات لتمويل عديد المشاريع في تونس منها مشروع بناء وتجهيز مستشفى الملك سلمان الجامعي متعدد الاختصاصات بالقيروان، ومشروع ترميم جامع الزيتونة والمدينة العتيقة بتونس، ومشروع ترميم جامع عقبة بن نافع والمدينة العتيقة بالقيروان، ومشروع ترميم جامع الملك عبد العزيز آل سعود بالمنار بتونس.
فتونس التي تربطها بالمملكة العربية السعودية علاقات أخوية وتاريخية تمتدّ لأكثر من سبعين سنة، بما يجعلها مثالاً في الأخوة والتعاضد بين بلدين شقيقين تربطهما وحدة الدم والدين واللغة والمصير، حريصة على مواصلة العمل على تعزيز حضور الاستثمارات السعودية، وتعزيز التبادل التجاري مع المملكة التي تعتبر ثالث مستثمر عربي في تونس، حيث يبلغ عدد المؤسسات السعودية أو ذات المساهمة السعودية 45 مؤسسة، تشمل أساسًا قطاعات السياحة والفندقة.
هذا ولم تغب الثقافة عن مجالات التعاون بين البلدين باعتبارها رافدًا أساسيًا من روافد التنمية، ولما يمثّله هذا القطاع من أهمية في تعزيز العلاقات ومدّ جسور التواصل بين الأمم والشعوب. ويتنزّل في هذا الإطار اختيار تونس كضيف شرف في معرض الرياض الدولي للكتاب (29 سبتمبر- 08 أكتوبر 2022)، حيث مثّل مناسبة للتعريف بالموروث الثقافي والحضاري لتونس، وبمثقفيها ومبدعيها. كما حلّت المملكة العربية السعودية ضيف شرف على الدورة 33 من فعالية أيام قرطاج السينمائية (تونس 29 أكتوبر - 05 نوفمبر 2022).
من جهتها، تبوّأت المملكة صدارة الدول في مجال استقطاب الكفاءات التونسية من الأساتذة الجامعيين الذين احتضنتهم الجامعات السعودية في سياق الاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم التي ساهمت مع زملائهم السعوديين في مزيد إشعاع جامعات المملكة وفي منافسة نظيراتها في الدول المتقدمة، فضلاً عن الكفاءات التونسية الأخرى العاملة في قطاعات الطب والهندسة والتقنية والتكنولوجيا، والسياحة، والفندقة، وهي كفاءات مشهود لها بالجدية والتميز من لدن أشقائنا السعوديين.
لا مراء أن العلاقات التونسية السعودية القائمة على الثقة والاحترام المتبادلين، عزّزها اللقاء الذي جمع سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيّد بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، وذلك على هامش القمة العربية-الصينية التي احتضنتها مدينة الرياض بتاريخ 09 ديسمبر 2022، والتي جاءت لتؤكّد حرص سيادة رئيس الجمهورية على مزيد الارتقاء بعلاقات التعاون بين البلدين للوصول بها إلى مرتبة الشراكة الإستراتيجية وتفعيل آليات التعاون المختلفة، بما يتيح تبادل المنافع والاستغلال الأمثل للإمكانيات الكبيرة المتوفرة لديهما.
وإن تونس التي تتطلّع دائماً إلى مزيد تمتين وتوثيق العلاقات الأخوية مع شقيقتها المملكة العربية السعودية، ستواصل التنسيق مع المملكة في مختلف القضايا والمسائل ذات الاهتمام المشترك، وداعمة لكل المبادرات الهادفة إلى تحقيق خير ورفاه شعوب أمتينا العربية والإسلامية، ولكل ما من شأنه أن يحقّق أمن واستقرار المنطقة.
ويندرج في هذا الصدد ترحيب تونس بالاتفاق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، على أمل أن يسهم هذا الاتفاق في تعزيز دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، وإزالة كافة أسباب التوتر بها بما يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين دولها.
كما تحرص تونس على مواصلة سنة التشاور لتنسيق الجهود والمواقف في سبيل الدفاع عن قضايا الحق والعدل لأمتينا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تحظى بالأولوية المطلقة من لدن سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيّد والتي يعتبرها قضيته الشخصية، بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، والتي لا تسقط بالتقادم، ويكرس السلام المنشود لشعوب المنطقة.
فلطالما كانت تونس محل احترام إقليمي ودولي، نتيجة إسهاماتها الفاعلة في إحلال السلم والأمن الدوليين، ودفاعها عن القضايا العادلة، وهو ما أثبتته بمناسبة ترؤسها لمجلس الأمن الدولي في شهر يناير 2021. كما يعدّ انتخاب تونس عضوا في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي للفترة 2022- 2024، برهاناً آخر على رصيد الثقة والتقدير الذي تحظى به، لإسهامها الفاعل في نزع فتيل الأزمات في القارة الإفريقية، وانخراطها فعلياً في عمليات حفظ السلام في إفريقيا، كما في دول عديدة أخرى من العالم، من خلال مشاركة وحداتها العسكرية ضمن بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، ونشر سرية تدخّل في إفريقيا الوسطى دعماً لبعثة الأمم المتحدة في هذا البلد، ما عزَّز من مكانتها لدى الشركاء الأفارقة.
في الختام، لا يسعني في هذا المقام إلا أن أتقدم بأسمى آيات التهاني والتبريكات لتونس العزيزة، قيادةً وحكومةً وشعباً، راجياً من العلي القدير أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والاستقرار، وعلى العلاقات التونسية السعودية مزيداً من التّطوّر والازدهار.
** **
- سفير الجمهورية التونسية بالرياض