خالد بن حمد المالك
يتخوّف المراقبون من أن لا تلتزم إيران بما نصّ عليه الاتفاق من بنود لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران، ويشيرون تحديداً إلى ما صدر عن وزير خارجية إيران من أن الوضع في اليمن شأنٌ داخليٌّ بين اليمنيين، وكأنّ من أوقد الحرب ودعم الحوثيين لاستمرارها ليس إيران التي أشعلت الحرب وليس غيرها.
* *
ويضيف المتخوّفون بأن هناك تجارب سابقة أدت لقطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، ثم عادت باتفاق بين الطرفين، غير أن إيران لم تلتزم بما يخصها من بنود كانت سبباً في عودة العلاقات، فتم قطع العلاقات مجدداً لعدم جدوى استمرارها.
* *
غير أن المتفائلين يرون أن الوضع في إيران سياسياً واقتصادياً وأمنياً لا يسمح لها حالياً بنكث ما تم التوافق عليه، كما أن الاتفاق على إعادة السفراء تم بعد جولات من المباحثات في العراق وسلطنة عُمان عَرَضَ كلُّ طرف ما لديه إلى أن توصلا إلى ما يمكن القول عنه بأنه اتفاق وإن لم يتم التوقيع عليه وإعلانه، ثم دخلت الصين طرفاً وضامناً بعد مباحثات امتدت لأيام في بكين، وتم الإعلان عنه.
* *
كل هذا يجعل من هذه العودة إلى العلاقات من جديد غيرها في الماضي، وهذه العودة مرشحة للنجاح مع شيء من الحذر والمراقبة وتصحيح كل خطأ قد يشوب العلاقات عند التطبيق، ومعالجته أولاً بأول بروح من الأخوة، وعلاقة حسن الجوار، والمصالح المشتركة.
* *
قضية اليمن، ومثلها لبنان، ومثلها سوريا، وكذلك العراق، عالجها البيان المشترك الموقّع في بكين، بالتأكيد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما يعني أن إيران لن تتمكن من تزويد الحوثيين بالسلاح بعد اليوم، ولن تدعمهم بالمسيرات والتدريب، وإلا اعتبر هذا مخالفاً لما تم الاتفاق عليه، ولا أعتقد أن إيران سوف تقدم على ما يخالف الاتفاق، حتى وإن قال الوزير الإيراني أن موضوع اليمن شأن يخص اليمنيين.
* *
التصريحات شيء، والتطبيق الحازم والصارم من الجانبين شيء آخر، ومن مصلحة الرياض وطهران الالتزام بما تم إقراره في العاصمة الصينية، وعدم العودة إلى تسخين الخلافات، خاصة إيران التي تعاني من العقوبات والعزلة، ولها مصلحة في علاقات تفاهمية مع المملكة لإقرار السلام والاستقرار في المنطقة.
* *
ولا خيار للمملكة ولإيران إلا بالتعايش والتفاهم والتعاون، فهما جارتان، ويجمعهما الدين الواحد، والتاريخ المشترك الضاربة جذوره في العمق، حتى وإن شاب العلاقات بين الحين والآخر شيء من سوء التفاهم، وتصعيده إلى حد قطع العلاقات.
* *
إن عودة العلاقات، وفتح السفارات، وتعيين السفراء، والبدء بصفحة جديدة من التنسيق والتفاهم بين الدولتين، إنما هي عودة مفيدة ولمصلحة جميع دول المنطقة، كما أن الاستقرار في اليمن ولبنان وسوريا والعراق إنما يصب في مصلحة إيران كما هو في مصلحة المملكة وباقي دول المنطقة.
* *
والترحيب الدولي, والإسلامي, والعربي, والخليجي بما تم الاتفاق عليه يظهر أن هناك مصلحة لا حدود لها بتبادل السفراء بين الرياض وطهران على مستوى العالم، وليس فيها انتصار لطرف دون آخر، بل هي مصلحةٌ مقدرةٌ وواضحةٌ معالمُها للجميع، حتى وإن حاول من أن يُشوَّشَ عليها، أو يسيىء فهمها عن جهل أو عن قصد.
* *
لاحظوا أن أكبر من أصابه الارتباك، وأعلن عن تخوّفه، وتمنى لو لم يتم ذلك، هي إسرائيل، وفق ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي فور سماعه بأن بكين نجحت في تقريب وجهات النظر، وصدر منها البيان الثلاثي المشترك، وهو ما يؤكد أن لا مصلحة لإيران بافتعال خلافات مع جارة كبرى كالمملكة تحتفظ بالتقدير والمعاملة الكريمة للجار، ولمن يجمعها بهم الدين الإسلامي، والمصالح المشتركة.
* *
ما نتمناه، أن تستمر العلاقات المتوازنة بين المملكة وإيران، وأن تكون هذه آخر صفحة من الخلافات وقد طُوِيَتْ إلى الأبد، وأن تعبر العلاقات بين بلدينا إلى ما يكرِّس استمرارها ودّاً ومحبة، واستثماراً لما يحقق الرفاهية للشعبين المسلمين.