تقع محافظة ينبع على الساحل الغربي للجزيرة العربية، وسميت ينبع، لكثرة الينابيع؛ والعيون فيها؛ فقد ذُكر أنه كان فيها مئة وسبعون عيناً، عُرف الجزء الواقع على الشريط الساحلي للبحر الأحمر بينبع البحر «الميناء» لموقعها وتمييزاً لها عن ينبع النخل التي تقع في الداخل إلى الشرق منها، ويقول الفاسي (ت 832 هـ -1429م) في ذلك: «ينبع بلد جازي على ساحل البحر الأحمر من جهة الشمال لمكة، ويُقال لها ينبع البحر، وقريب منها في الداخل بلد يُقال لها ينبع النخل وهي قرية غناء» سمّيت بذلك ينبع النخل; لكثرة النخيل بها فهي تمتاز بخصوبة تربتها وكثرة مزارعها ووفرة العيون فيها.
وعند إطلاق اسم ينبع في السّابق كان يقصد به ينبع النخل، لشهرتها ووقوعها على طريق قوافل الحج وطرق القوافل التجارية بين الحجاز والأقطار الأخرى، كالشام ومصر أما في الوقت الحاضر ويقصد به ينبع الميناء.
تاريخ ينبع في العصور الحديثة غير واضح، في المعلومات شحيحة وغير مترابطة، ولعل تبعية ينبع السياسية لمكة المكرمة أو المدينة المنورة حجبت العديد من أحداثها السياسية في ظل اهتمام المؤرّخين بتاريخ المدينتين المقدستين خاصة.
عانت ينبع قبل الحكم السعودي الأول من الثورات والتمردات التي غالباً ماتنشب بسبب النزاع على شرافة مكة، فقد يكون أهالي ينبع إلى جانب طرف دون آخر، وقد تكون ينبع محطة للقوات العسكرية القادمة من مصر لجهات النزاع، وفي كلتا الحالتين جنت ينبع الكثير من تبعات ذلك فمرت بأوقات عصيبة خلال الحكم العثماني إذ دُمرت قراها، واضطر بعض أهلها لمغادرته.
لم تتطرق المصادر التاريخية التي تحدثت عن سيطرة الدولة السعودية الأولى على الحجاز لتفاصيل استيلاء الحكومة السعودية على ينبع ولعل مرد ذلك إلى أنه لم تحدث في ينبع آنذاك أحداث جديرة بتدوين التاريخي، أوقد يكون خضوع مكة والمدينة كافياً لمد السيطرة السعودية على مناطق الحجاز الأخرى دون أيّة مقاومة تذكر.
ولا يخفى أن عناية المؤرّخين في المدينتين المقدستين قد أغفل العناية بما سواهما من المدن الحجازية وقد حاولت الباحثة جمع المعلومات التاريخية المتناثرة عن ينبع في المصادر المختلفة ووضعها في إطار تاريخي متسلسل،حتى تبدو الصورة الينبعية أكثر وضوحاً ضمن النسق التاريخي والتسلسل المنطقي للأحداث.
نجحت الدولة السعودية الأولى مع نهاية القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي من توحيد منطقة نجد، ومع بداية القرن التالي تمكنت من ضم منطقة الأحساء والقطيف وشرق جزيرة العرب أما منطقة الحجاز فمنذ تولي الشريف غالب بن مساعد ( 1202 ـ 1229هـ/ 1788 ـ 1814م ) إمارة مكة دخلت منطقة الحجاز مرحلة جديدة من تاريخها فقد بدأ عهده بصدام الحربي مع الدولة السعودية منذ عام 1205هـ/ 1790م م ومن هذا التاريخ بدأت المواجهات الحربية بين القوات السعودية والحجازية وعندما انتصرت القوات السعودية على قوات الشريف غالب في معركة الخرمة عام 1213 هـ/ 1798 م اضطر على إثرها الشريف غالب إلى عقد الصلح بينه وبين السعوديين سمح لهم بموجبه بأداء مناسك الحج ودخول مدن الحجاز ورجحت بعدها كفة الدولة السعودية في الصراع وفُتح الطريق أمامها للتوغل في الأراضي الحجازية واستمرت المواجهات الحربية بين الطرفين حتى اكتمال ضم الحجاز عام 1220هـ/ 1805م.
ولسنا هنا في صدد الحديث عن مجريات تلك العمليات وتفاصيل ضم الحجاز فما تعتني به هذه الدراسة هو تفاصيل دخول مدينة ينبع تحت الحكم السعودي الأول.
بعد أن نقض الصلح بين الإمام عبد العزيز بن محمد والشريف غالب مساعد عام 1217هـ/ 1802م، قرَّر الإمام السعودي استئناف نشاطه ووضع حد للصراع مع شريف غالب فأرسل قوات بقيادة ابنه الأمير سعود بن عبد العزيز لمحاصرة مكة المكرمة أمام الحصار السعودي اضطر الشريف غالب لمغادرة مكة وتوجه إلى جدة وبانسحابه دخلت القوات السعودية بقيادة الأمير سعود بن عبد العزيز مكة سلماً، وذلك لقدسية وحرمه مكة المكرمة حرصت القيادة السعودية إلى حصارها ودخولها سلماً وكان ذلك في بداية عام 1218هـ/ 1803م، وعين الشريف عبد المعين بن مساعد أميراً على مكة.
أرسل الأمير سعود بن عبد العزيز قوات إلى ينبع للسيطرة عليها وقد انضم إلى تلك القوات زعماء قبيلتي جهينة وحرب الذين أعلنوا ولاءهم للدولة السعودية وقد عسكرت تلك القوات أمام أسوار أمام أسوار ينبع لعدة أسابيع محاولة اقتحامها حتى تمكنت أخيراً من اقتحام ينبع وإخضاعها للسيطرة السعودية وطرد وزير الشريف غالب بن مساعد وموظفو من البلدة ودخلت حامية سعودية إلى ينبع.
ولكن السيطرة السعودية على ينبع لم تستمر طويلاً وحينما فشلت القوات السعودية في السيطرة على جدة نظراً لقوة تحصينها أمر الأمير سعود بن عبد العزيز وإخوانه قواته برفع الحصار عنها وعاد إلى الدرعية بعد أن ترك حاميات سعودية في مكة المكرمة وقد استغل الشريف غالب بن مساعد هذه الفرصة فعاد إلى مكة وأجبر الحامية السعودية فيها على المغادرة كما شن هجوماً على الحامية السعودية في ينبع وتمكن من إخراجها من ينبع، وبعد أن أعاد الشريف غالب نفوذه على ينبع أمر أهالي ينبع ببناء السور جديد لبلدتهم وأجبرهم على تحمل نفقات بناء هذا السور وقد بُني السور الجديد بناءً جيداً فأصبح منتظم البناء ويحوي أبراجاً عدة مهمتها حماية المدينة من أي هجوم محتمل.
تولى الإمام سعود بن عبد العزيز الحكم بعد وفاة والده في رجب 1218هـ/ 1803م، أرسل قواته لمعاودة السيطرة على الحجاز فقامت القوات السعودية بفرض حصار شديد على مكة عام 1220هـ/ 1805 م، حتى نجح الإمام سعود بن عبد العزيز في دخول مكة سلماً للمرة الثانية مع بداية عام 1221هـ/ 1806م، واضطر الشريف غالب بن مساعد لطلب الصلح من الإمام سعود بن عبد العزيز على أن يبقى أميراً على مكة وتابعاً للدولة السعودية وقد تتمتع الشريف غالب بصلاحيات خاصة لم يتمتع بها غيره من أمراء الدولة السعودية، فكان له الحق في الاحتفاظ بإدارة الأمور المحلية فيها والاحتفاظ لنفسه بزكاة المدن الحجازية وعشورها، وقد دخلت المدينة المنورة تحت الحكم السعودي قبل دخول القوات السعودية إلى مكة، وبهذا أصبحت مكة المكرمة والمدينة المنورة جزءاً من الأراضي السعودية.
ومن الجدير بالذكر أن ينبع ظلت صامدة أمام القوات السعودية واتباعها من قبيلتي حرب وجهينة لعدة أشهر، وقد يعود ذلك لمناعة تحصينها على أثر السور المحيط بها والذي أمر في ببنائه الشريف غالب بن مساعد عام 1218هـ/ 1803م، الأمر الذي دفع الإمام سعود بن عبد العزيز إلى إرسال إمدادات أخرى لشن هجوم مكثف على ينبع وأمام الهجمات السعودية هرب الوزير المقيم في قلعتها وبعده هروبه كاتب أهالي ينبع الإمام سعود بن عبد العزيز على الطاعة وتطبيق مبادئ الدعوة الإصلاحية.
وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن قبيلة جهينة كانت أعلنت كانت قد أعلنت ولاءها للدولة السعودية الأولى قبل دخول تلك القوات إلى ينبع، بل إنها أسهمت في بدور مهم في إخضاع ينبع للحكم السعودي، ويمكن القول بأن المحاولة السعودية الأولى للاستيلاء على ينبع جاءت في أعقاب خضوع قبيلة جهينة اهم القبائل القاطنة هناك للحكم السعودي ويظهر انضمام قبيلة جهينة للدولة السعودية قد ساعد القوات السعودية في السيطرة على ينبع ولذلك لم تجد القوات السعودية فيها مقاومة تذكر من الأهالي إنما بدأت تلك المقاومة من حامية الشريف غالب في ينبع.
ولم تكن قبيلة جهينة وحدها التي انضمت للدولة السعودية الأولى وأسهمت في إخضاع ينبع للحكم السعودي بل انه قبيلة حرب وفئات من الأشراف ولاسيما الأشراف العياشية حلفاء قبيلة جهينة قد أعلنوا ولاءهم للدولة السعودية وقاموا بدور بارز في إنجاح السيطرة السعودية على ينبع فضلاً عن دورهم لاحقاً في الدفاع عنها أمام الحملات التي أرسلها محمد علي باشا للقضاء على الدولة السعودية وقد قابل الإمام سعود بن عبد العزيز انضمام الأشراف العياشية وإسهامهم هم بأن عّين الشريف جابر بن جبارة العياشي اميراً على ينبع.
أما من حيث أوضاع ينبع تحت الحكم الدولة السعودية الأولى:
ففي الناحية الإدارية قد استقرت الأمور السياسية في ينبع خلال السنوات الست التي دخلت فيها ينبع تحت الحكم السعودي الأول فقد عينت الحكومة السعودية زعيم الأشراف العياشية جابر ابن جبارة العياشي أميراً على ينبع واتخذا ابن جبارة ينبع النخل مقراً لأمارته التي استمرت منذ دخول ينبع تحت الحكم السعودي عام 1220هـ/ 1805م، وحتى استيلاء طوسون باشا عليها عام 1226هـ/ 1811م .
وقد أدى الشريف جابر بن جبارة فريضة الحج برفقة الأمير سعود بن عبد العزيز 1221هـ/ 1806م، وكان من اتباعه المخلصين ولعب دوراً مهما في الدفاع عن ينبع أثناء هجوم قوات طوسون عليها وكان أحد أبطال معركة وادي الصفراء التي منيت فيها قوات طوسون بهزيمة كبيرة أواخر عام 1226هـ/ 1811م.
أما ينبع البحر فقد تركها الإمام سعود تحت نفوذ الشريف غالب بن مساعد كما كان حالها قبل الحكم السعودي وكأنه شريف مكة يعين وزيراً له يقيم في قلعتها ويسيطر على الميناء واحتفظ الشريف غالب بالضرائب المفروضة على التجارة في ينبع كما هو الحال في جدة ولم يشارك الحكومة السعودية فيها، في حين اكتفى الإمام سعود بن عبد العزيز بتعيين قاضٍ في ينبع ووكيل مهمته جباية الزكاة من الأهالي.
أما الناحية الاقتصادية في ينبع فقد استمر التبادل التجاري بين ميناءي ينبع وجده والموانئ المصرية دون تأثر فعلى الرغم من نجاح الدولة السعودية الأولى في انتزاع الحجاز من أيدي العثمانيين إلا أن الحركة التجارية بينهم لم تتأثر كثيراً واستمرت السفن التجارية تتنقل بين ميناءي ينبع وجدة والموانئ المصرية السويس والقصير محملة بالبضائع والأرزاق وقد كان من المتوقع أن تغلق مصر موانئها أمام تجارة الموانئ الحجازية وتوقف التعامل التجاري مع تجار تلك المنطقة لفرض حصار اقتصادي على الدولة السعودية وإرباكها مادياً ولكن هذا الإجراء لم يحدث ولم تتخذ مصر أي خطوات في هذا الصدد، ويرجع السبب في ذلك إلى أن باشوات مصر كانوا يحصلون على مكاسب كبيرة من تجار الموانئ الحجازية وعلى رأسها ينبع وجدة، وحتى عندما تولى محمد علي باشا الحكم في مصر وتلقى أوامر عثمانية عديدة لحرب السعوديين لم يغلق الموانئ المصرية أمام التجارة الحجازية بل استمرت السفن تصل إلى ينبع وجدة من مصر بانتظام وذلك لإدراكه كسابقيه مقدار السفن الأرباح الجيدة التي تجنيها الخزينة المصرية من تجارة الحجاز ومن الجمارك الطائلة المفروضة عليها.
ولم يتوقف التبادل التجاري بين مصر والحجاز إلا قبل إرسال حملة طوسون بأشهر قليلة وذلك الخوف ملاك السفن التجارية من استيلاء محمد علي باشا على سفنهم ولا سيما أنه أمر بالقبض على سفن الداو التجارية الموجودة في ينبع وغيرها، وذلك لحاجته إليها في شحن الأرزاق والذخائر لقواته المرسلة إلى ينبع.
ومعظم التجار في ينبع من العرب وتنحصر تجارتهم في التموينات والملبوسات ومن أهم أنواع التجارة في ينبع تجارة النقل القائمة بين ينبع والمدينة المنورة فهي تحقق لهم دخلاً جيداً ولم يكن في ينبع تجار شديدو الثراء وأن كانت نسبة جيدة منهم يتمتعون برخاء لا بأس به ومعظم الأسر ذات الدخل الجيد تملك بالإضافة إلى منازلها في ينبع البحر منازل أخرى في ينبع النخل.
ولم تكن التجارة هي الحرف الوحيدة لأهالي ينبع، عدد كبير منهم ولاسيما قبيلة جهينة امتهنوا حرفة الزراعة وتحولوا إلى بدو مستقرين وازدهرت الزراعة ازدهاراً كبيراً في ينبع النخل لتوفر البساتين والآبار وأهم محصول زراعي في ينبع هو التمور وهو ذو نوعية جيّدة إذا تمتاز ينبع ببساتين وأفره من النخيل وبالإضافة إلى التمور يزرع في ينبع أنواع أخرى من الفواكه والخضار وتباع المحاصيل الزراعية في أسواق ينبع التي تقع على شوارع ضيقة ومظللة بسعف النخل ويعد السمن والعسل والحناء من أهم السلع المتوافرة في أسواق ينبع ويجري بيعها أو مقايضتها السلع أخرى.
أما حرفة الراعي فهي تعد ركيزة اقتصادية لقسم كبير من سكان ينبع ولاسيما قبائل الرحل التي تقيم في جهاتها ولم تكن المواشي والإبل فحسب عماد الثروة الحيوانية في ينبع إنما امتلكت بعض الأسر من قبيلة جهينة سلالات جيده من الخيول العربية وتملك كل أسرة في ينبع عدد من الحمير التي يستخدمونها في إحضار الماء من ينبع النخل إلى ينبع البحر عند الحاجة.
ومن أوجه النشاط الاقتصادي كذلك صيد الأسماك والملاحة البحرية وهي حرفه ارتبطت بموقع ينبع الساحلي البحر الأحمر من جهة وقرب سواحلها من مصر من جهة أخرى،وتعد الملاحة من أوجه النشاط الاقتصادي القائم في ينبع وتنقل السفن الينبعية الأفراد والبضائع من ينبع إلى مصر او إلى موانئ الحجاز الأخرى وصولاً إلى المويلح جمالاً وتزداد عمليات النقل البحري عادة خلال موسم الحج وذلك لازدياد القادمين من الأقطار الإسلامية المختلفة.
أما النواحي الدينية والاجتماعية في ينبع أبان الحكم السعودي الأول فعندما تمكنت القيادة السعودية من السيطرة على ينبع أرسل الأمير سعود بن عبد العزيز قاضياً حنبلياً إلى ينبع أقام فيها كما رافقه وكيل سعودي مهمته جباية الزكاة من الأهالي فيها وكما هو الحال في بقية المناطق السعودية الأخرى لم يكن جمع الزكاة بترحيب من السكان، وذلك لأنهم لم يعتادوا على مثل هذا الإجراء.
وقد عملت الدولة السعودية على تطبيق مبادئ الدعوة الإصلاحية في الجهات التي تخضع لحكمها وترى الباحثة أن فاعلية التطبيق واستمراره في أي منطقة يرتبط ارتباطاً كبيراً بأمرين، أولهما اهتمام القيادة السعودية بالمنطقة الجديدة الخاضعة لحكمها ورغبتها في تثبيت دعائم دعوتها وحكمها فيها أما الأمر الآخر فهو يتعلق بمقدار الفترة الزمنية التي قضتها المنطقة الجديدة تحت الحكم السعودي وذلك لأن طول المدة يعمق مبادئ الدعوة في نفوس الأهالي ويزيد من تمسكهم بها .
أما على الصعيد الاجتماعي وفي ثنايا وصف الرحالة «دومنجو باديا» لجوانب اجتماعية عندما زار ينبع سنة 1222هـ/ 1807 م،فقد قدرّ الرحالة «دومنجو باديا» عدد السكان في ينبع البحر في مطلع القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي بما يقارب من 3000 نسمة في حين قدرّ بوركهارت سكان ينبع إجمالاً بما يتراوح بين 5000 إلى 6000 نسمة وتعد ينبع مدينة عربية تماماً إذا لا يوجد بها سوى أعداد قليلة جداً من الأجانب ومعظم العناصر السكانية فيها من قبيلة جهينة والأشراف الحسنيين وفئات من قبيلة حرب وعدد من أسر الصعيد المصري.
وقد كان لكل فرع من فروع القبائل المقيمة في ينبع شيخ خاص بهم وقد تحدث بينهم خصومات ونزاعات حول الأراضي والمراعي ورغم ذلك فقد خضعت تلك النزاعات لتقاليد وأعراف واحدة تحميها القبائل لذلك امتازت سلوكياتهم بالنظام.
وقد تحول كثير من البدو الذين يقيمون في ينبع منذ زمن إلى حاضرة مستقرين يزاولون حرفاً معينة كالزراعة أو الصيد أو التجارة ولكنهم مازالوا متمسكين بعاداتهم البدوية الأصيلة في معيشتهم وسلوكياتهم وأسلوب حياتهم
وقد وصف الرحّالة اللباس الينبعي وصفاً دقيقاً، فالرجال فيها يضعون على رؤوسهم الكوفية وهي عبارة عن قطعة قماش مقلّمة باللونين الأخضر والأصفر وهي مصنوعة من الحرير أو قطعة قماش مصنوعة من القطن مصبوغ باللون الأحمر مزيّنه أطرافها بالحرير الأصفر المتدلي على الأكتاف ويثبتها على الرأس حبل من الصوف يسمى «عقال» ويلف على الرأس عدة لفات ويرتدي أهالي ينبع ثياباً مصنوعة من الكتان الأبيض أو الحرير أو من القطن الملون حسب حالتهم المادية ويتحزمون بحزام من الجلد كما يرتدي بعضهم على تلك الثياب عباءات بيضاء اللون ذات أكمام قصيرة ويحملون معهم عصياً غليظة.
أما النساء فقد وصف لباسهن الرحالة دومنجو باديا، حيث ذكر أنهن يرتدين قميصاً طويلا ًوسروالاً من القماش الأزرق وعليها عباءة سوداء توضع على الرأس ويتزيّنَّ بالخواتم والأساور وما يُعرف بـ»الزمام «على الأنف ويتمتعن بحرية واضحة.
أما من الناحية العمرانية: يشير» دومنجو باديا» الذي مر بينبع البحر عام 1222هـ/ 1807م إلى أنها امتازت بالعمران والتنظيم أكثر ففي السابق كانت منازل اغلب سكانها أشبه «بالعشش «التي أنشأت من العصي والحصير ولكنه وجد أثناء مروره بها في العام المذكور أن البنات تطور في ينبع وأصبحت المنازل فيها تبنا من الحجر الجيرى الأبيض وبيوتها منخفضة وذات أسقف مستوية ومعظم المنازل فيها تتكون من طابق ارضي فقط ويوجد عدد قليل منها يحوي طابقين للفئات الغنية، وقد أقيمت المنازل فيها متباعدة عن بعضها وتتخللها شوارع فسيحة ويوجد بها مسجدان أو ثلاثة ذات عمارة متواضعة.
والأسوار التي تحيط بها ينبع مجددة حديثاً وذلك في أعقاب الهجوم السعودي الأول على ينبع عام 1217هـ/ 1802 م، وهذه الأسوار مبنية عشوائيا بعضها يمتد من الشرق إلى الغرب والبعض الآخر من الشمال إلى الجنوب وسمك الأسوار يبلغ (15 بوصة) وارتفاعها حوالي (تسعة أقدام )وتوجد بها أبراج ولكنها تخلوا من المدافع ومركز المدينة الذي يقع في مرفئها مسيج بسور ثان أعلى ارتفاعاً ومحمي بالأبراج ومن الملاحظ أن السور الذي يحيط بينبع يغطي مساحة شاسعة من أراضيها فهو يتسع لخمسة أضعاف السكان الحاليين فيها.
** **
مدى بنت سالم الحربي، باحثة دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر - جامعة أم القرى