من خلال ما كتب عن الحضارة الحديثة وعن مصادرها من خلال أكثر من أربعة قرون مضت، حيث نجد نغمة واحدة، محبوسة في أفق ضيق من التعصب بعيداً عن أوجه الحق، وانتقاص بعيد كل البعد عن الصدق - فهذه النغمات التي تتردد بين الفينة تلو الفينة بأن هذه الحضارة الحديثة قامت امتداداً للعلوم اليونانية والحضارة الرومانية وإذا سأل سائل عن دور العرب فيها؟ قيل: إنهم حافظوا على كتب اليونان والرومان فقط.
ولا تزال هذه النغمات تتردد أمثال نغمة التجاهل والانتقاص لدور الإسلام والحضارة الإسلامية فإنها واضحة المعالم في كتب الباحثين الغربيين، وخاصة المستشرقين الذين ترجمت أبحاثهم وأعمالهم إلى اللغة العربية الفصحى، وفرضت في الجامعات والمعاهد، حتى تعطي الفرد العربي المسلم ذلك الإحساس بالنقص.
وفي أغلب الجامعات العربية والإسلامية تصور العلوم الحديثة بأنها إنتاج غربي دون الإشارة إلى جهود علماء العرب والمسلمين (علماً أن شمس العرب تسطع على الغرب فإن الصمت الذي ارتكب ضد الثقافة الإسلامية فإنه منظم تنظيماً محكماً من قبل هؤلاء الحاقدين وبعد هذا الإصرار الشديد على الصمت العميق، والتجاهل البغيض لدور الإسلام في الحضارة الإنسانية، بالإضافة إلى الانتقاص والتزييف، فإن الأمر لم يلبت طويلاً أكثر مما كان فقد خرق مرة بعد مرة حين ارتفعت أصوات منصفه بين الحين والحين، حيث تحاول رد الحق إلى نصابه، وتقر في صدق وأمانة مدى عظمة الأثر العربي الإسلامي ومن خلال ذلك التاريخ الطويل أخذت الأصوات تتعال وتكشف مؤامرة الصمت والجحود والنكران عبر هؤلاء أمثال غوستاف لوبون - ورابر- وبريفولت - وكاود فاير، وهنري دي شامبون، وسيديو.
وبعد سنوات أخذ الأمر يتحول إلى اعتراف واضح، عندما ألقت الدكتورة (سيغريد هونكه) كلماتها المدوية: فإن (شمس الله تستطع على الغرب) مما جعل الباحث الغربي يوضح مدى (الإثم) أو الخطأ الذي ارتكبه الغرب من جراء (مؤامرة الصمت) التي امتدت أكثر من ثلاثة قرون - فقد اعترف البعض من هؤلاء الغربيين أمثال (كمال ولف شحو ماكو) فقال: حينما كانت أوروبا غارقة في بحر الظلم والظلام الدامس لفترة ليست بالقصيرة، فتح الله له شعاع من أشعة الحضارة المشرقة في بلاد الإسلام.
حيث إن تعاليم القرآن الكريم وأحاديث النبي الكريم، فقد نفخت في الأمة الإسلامية روحاً قوياً أوجدت تقدماً باهراً، ورقياً عظيماً.
فهذه الروح سرعان ما تسربت إلى أوروبا، ولا سيما عن طريق أسبانيا - فقد أجاد الباحث الألماني (هورتن) كان العرب في القرون الوسطى تقريباً إلى 1500 عام أساتذة أوروبا ثم جاءت الكتابات تؤكد أثر اللغة العربية في اللغات الأوربية فقد عاشت أوروبا بكاملها تحيك خيوطها أكثر من أربعمائه عام وهي ملتزمة الصمت التام الطويل حتى تحطم جدارها، بأيدي الغربيين المنصفين الذين عرفوا جهود علماء العرب والمسلمين وعرفوا جوهر الإسلام وحقيقته.
والله الموفق.