سُنت الأنظمة وشرعت القوانين لتجرم الأفعال الظاهرة المشينة والخارجة عن المألوف، ولكن ماذا بحق الإجرام الذي تمارسه في الخفاء تجاه نفسك دون أن يلاحظه أحد، حين ترهق نفسك في شتى الجوانب مهملاً راحتك البدنية والنفسية. مؤذياً ذاتك في كثرة التفكير، وتعدد المهام، وازدحام الارتباطات، وتنوع الأدوار، وتشعب الالتزامات، وتزايد المسؤوليات، والدخول بشكل يومي في سباق محموم مع دقات عقارب الساعة، والوقوع تحت وطأة دقة الإنجاز وسرعته، ومعترك الطموح والأحلام، والبحث عن المثالية، والرغبة في الوصول إلى الكمال.
متجاهلاً نداء بدنك الذي تعلو أصواته تارة بعد أخرى في صورة آلام جسدية ووعكات صحية مستمرة، ولكن ليس هناك من مجيب، وماذا عن حديثك الداخلي وصخبه وصرخاته التي لا تهدأ، ومشاعرك السلبية التي تقمعها تحت وطأة كبريائك وهروبك من مواجهتها، والأحداث المؤلمة والفترات العصبية التي تحاول أن تتغافل عنها بالرغم من شدة وقعها، ودموعك التي تظل حبيسة خلف بياض ابتسامتك وآهات صدرك المعتقلة في صوت ضحكتك.
هذا جزء من الواقع الذي يمربه كثير منا مهما كانت الفروقات بين أعمارنا، وطبقاتنا الاجتماعية، ودرجاتنا العلمية، ومسمياتنا الوظيفية، فنحن نمارس هذا الإجرام بحق أنفسنا دون إدراك ووعي بما نفعله.
لذا ابدأ من اليوم ومن هذه اللحظة بإعادة تقييم ما يجري في حياتك وأنه عقوبة هذا الإجرام الخفي، واحرص أن تعبر دوماً عن مشاعرك الإيجابية والسلبية وتحرر من دجل ووهم الإيجابية المطلقة، تحدث عما يؤلمك سواء كان واقعاً حالياً أو ماضياً لم تتجاوزه أو مستقبلاً تقلق وتخاف منه مع شخص تثق به أو مختص نفسي.
تقبل ما لا يمكنك تغييره فهناك ظروف وأقدار لا تملك المقدرة على تغييرها أو تعديلها مهما بذلت من جهد ولا تملك سوى اليقين الصادق والرضا العميق والتسليم بما كتب لك.
حرر إنسانيتك من عبودية القوة والكمال، فهناك أوقات يشعر معها الإنسان بالضعف، وأوقات يرغب في الراحة التامة، وعمل اللاشيء.
أعط نفسك وقتها لتتجاوز مشاعر الضيق والحزن، وتتخطى بيسر المواقف المؤلمة وعش بنفس هذه القاعدة أثناء الأحداث السعيدة واللحظات الممتعة والمشاعر المبهجة والمفرحة.
عد بالتدريج إلى ممارسة هواياتك القديمة وانفض غبار الروتين اليومي من حياتك.
ادخل عالم التحدي الممتع بتجربة عادات صحية أوممارسة هوايات جديدة، فليس هناك عمر محدد أو زمن معين لتبدأ فيها وتجرد من القيود المأثورة فما زال لحياتك معنى وأثر جديد.
استمع بلطف إلى حديثك الداخلي وأعد صياغة ما تقوله لذاتك، وانتق المفردات التي تصف بها نفسك، وتجنب اللوم والجلد والتقريع الذي يصيبك بالجراح ويزيدك ألما.
تذكر دائما بأن هناك متسعا في حياتك لأشخاص راحلين وآخرين قادمين، ولحظات سعيدة، ونجاحات مبهرة، وادع الله أن ينور روحك، ويلملم شتاتك، وينسيك وجعك.
ولتكن صحتك النفسية في قائمة أولوياتك.
** **
- أخصائية نفسية