د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
وضعت السلطات الأمريكية البنك المختص في تميل قطاع التكنولوجيا تحت الوصاية، وتدخلت بسرعة في ظل إفلاس مصرفين آخرين أصغر حجماً، كذلك أعلن الرئيس الأمريكي خلال خطاب قصير من البيت الأبيض اتسم بنبرة حازمة، وطالب الكونغرس تعزيز القواعد الناظمة للقطاع المصرفي التي سبق أن شددت، بعد كارثة انهيار مصرف ليمان براذرز عام 2008 قبل أن يخفضها الرئيس السابق دونالد ترمب، وضمنت الحكومة استعادة المودعون أموالهم لكنها ستأتي من الرسوم التي تدفعها البنوك لتأمين الودائع، رغم ذلك سجلت مؤشرات الأسواق الأوروبية الرئيسية تراجعا بأكثر من 2 في المائة، بينما عانت أسهم البنوك انخفاضات حادة، امتدت حتى إلى أسواق آسيا.
اعتبر مسؤولو الخزانة الأمريكية أن النظام المصرفي الأمريكي أكثر قدرة على المقاومة بسبب أن لديه أساس أفضل بكثير مما كان عليه قبل الأزمة المالية عام 2008، ما جعل السلطات المالية في أمريكا وضع بنكين آخرين تحت الوصاية لحماية أموال المودعين.
نقلت المؤسسة الأمريكية كل أصوله الجوهرية بما في ذلك الأصول غير المأمن عليها إلى بنك آخر تشغله المؤسسة، حيث نحو 89 في المائة من ودائع بنك سيليكون فالي البالغة 175 مليار دولار كانت غير مؤمن عليها حتى نهاية 2022، وسيتمكن المودعون الوصول الكامل لأموالهم، إذ يعد إعلان إفلاس هذا البنك ثاني أكبر انهيار لبنك أمريكي منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 التي اندلعت شرارتها مع إفلاس بنك ليمان براذرز، وإفلاس بنك سيليكون فالي ما قد يقضي على الشركات الناشئة في جميع أنحاء العالم.
فقدت البنوك الأمريكية الثلاثة المتعثرة نحو 390.4 مليار دولار 81 في المائة خلال شهر المنتهي جلسته في 13 مارس 2023 لتتراجع من 480.8 مليار دولار إلى 90.5 مليار دولار، وتراجعت القيمة السوقية لبنك سيليكون فالي 66 في المائة 12.2 مليار دولار لتبلغ 6.3 مليار دولار مقابل 18.5 مليار دولار، بعدما تراجع سهم البنك من 311.6 دولار إلى 106 دولارات، كذلك تراجعت القيمة السوقية لبنك سيجنتشر 40 في المائة ثلاثة مليارات دولار لتبلغ 4.4 مليار دولار، كذلك هبطت القيمة السوقية ل سيلفرجيت 83 في المائة لتبلغ 79.8 مليار دولار، فيما كانت 455 مليار دولار.
يعتبر البعض أن أحد أهم أسباب هذا التعثر الوتيرة المتسارعة التي اتبعها البنك الفيدرالي الأمريكي من سياسته النقدية التشددية لرفع أسعار الفائدة، وهناك تساؤلات هل يعدل الفيدرالي الأمريكي من سياسته النقدية المتشددة، خصوصا فيما يتعلق بقراره بشأن أسعار الفائدة في 22 مارس 2023 في ظل بلوغ أسعار الفائدة نحو 4.75 في المائة، ورفع أسعار الفائدة دفع البنوك إلى الاحتفاظ بحجم كبير من السندات طويلة الأجل، بينما مطلوب منها دفع فائدة كبيرة على الودائع قصيرة الأجل، فالمطلوبات من البنوك الثلاثة معاً ارتفعت معا بنسبة 443 في المائة خلال عام 2022 لتبلغ 35.3 مليار دولار مقابل 6.5 مليار دولار بنهاية 2021 .
بعد الإعلان عن إفلاس بنك سيليكون فالي أعقبها عمليات بيع مكثفة في البنوك الأمريكية سلط الضوء على المخاطر الدائمة لإستراتيجية اتبعتها جهات مقرضة كثيرة لزيادة الأرباح عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة، فعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية اعتادت البنوك على استثمار ودائع العملاء في الأوراق المالية ذات الدخل الثابت عندما لم تتمكن من إقراضها بربح.
فبنك سيليكون فالي عندما سيطرت عليه السلطات المنظمة الأمريكية تحديداً منتهجاً هذه الإستراتيجية بقوة، حيث تم استثمار أكثر من نصف أصوله في الأوراق المالية، وعندما قفزت أسعار الفائدة في 2022، انخفضت قيمة السندات التي اشترتها البنوك بوفرة ودائعها الرخيصة، الأمر الذي خلف خسائر ورقية تصل على 600 مليار دولار، نتيجة لذلك يرى المستثمرون صورة أفضل للمخاطر التي تقدم عليها بعض البنوك بودائعها الفائضة، الذي تؤدي هذه الخسائر الورقية إلى دوامة، وعندما يريد المودعون تصفية محافظهم الاستثمارية تتحول تلك الخسائر الورقية إلى خسائر حقيقية قد تكون كبيرة جدا لا تستطيع بعض البنوك الصغيرة تحملها.
تدفقت ودائع إلى البنوك الأمريكية منذ أبريل 2020 تقارب 4.2 تريليون دولار، استخدم منها فقط 10 في المائة لتمويل قروض جديدة، فيما بقية الأموال المودعة تم تحويلها إلى أوراق مالية، معظمها من السندات، ارتفعت بعد الجائحة بنحو 50 في المائة وصلت إلى أكثر من ستة تريليونات دولار، ربما كانت تشتري البنوك في ذروة السوق، وهو ما سبب لها مشكلة عندما انخفضت قيمة محافظ سندات البنوك ما تسبب في خسائر 600 مليار دولار، لكن لأن البنوك لا تبيع سنداتها دورياً، كثير من هذه الخسائر غير محققة بعد.
فالبنوك التي تمتلك سندات خزانة كبيرة تعاني النصيب الأكبر من المشكلات، لكن كانت بنوك كبيرة أكثر حذرا مثل بنك جيه بي مورجان، فحين كانت الفوائد منخفضة، فقد حذر جيمي ديمون الرئيس التنفيذي المستثمرين بأنه من الصعب تبرير السندات الأمريكية، وأنه لن يقترب من سندات الخزانة أبداً، في حين حصل جيه بي مورجان على ما يربو قليلاً على 700 مليار دولار من الودائع الجديدة بعد الجائحة، ارتفعت حيازته من الأوراق المالية خلال تلك الفترة 200 مليار دولار فقط ،على عكس بنك بانك أوف أمريكا التي ارتفعت ودائعه بعد الجائحة 500 مليار دولار ارتفعت حيازاته من السندات بالسرعة نفسها تقريبا، إذ ارتفعت 480 مليار دولار نتيجة.
لذلك ارتفعت خسائر بنك أوف أمريكا في 2022 في محفظة أوراقه المالية إلى ما يزيد قليلا عن 110 مليارات دولار، أي أكثر من ضعف الخسائر المسجلة في ويلز فارجو وجيه بي مورجان البالغة 50 مليار دولار، مع ذلك يشير محللون إلى إمكانية تفادي الخسائر لمعظم البنوك وذلك باحتفاظها بالأرواق المالية حتى تاريخ الاستحقاق، لكنها تكون إعصار لبعض البنوك الصغيرة التي تراهن بشدة على محافظها من السندات.