عمر إبراهيم الرشيد
شرع الدين الإسلامي الحنيف الخلع كما شرع الطلاق، وهما حلان لتجنب تفاقم الضرر والشرور بين الزوجين والأبناء أو أسرتي الزوجين. والخلع مشابه للطلاق إلا أنه يتم من قبل الزوجة على زوجها وبواسطة القاضي بعد إثبات الضرر المترتب على استمرارها مع زوجها تحت سقف واحد.
ومن المشهود مدى ما وصلته الدوائر الحكومية في المملكة من اختصار الإجراءات البيروقراطية بواسطة اعتماد الحكومة الإلكترونية بدلاً من الورق والمراجعات الشخصية، فأصبح المواطن والمقيم ينهي كثيرًا من معاملاته بواسطة جهازه الشخصي أو هاتفه الذكي والتطبيقات الرسمية فيه وإن لم يكن كامل المعاملة فمعظمها، ومنها وزارة العدل التي سهلت إجراءات ومعاملات الأحوال الشخصية والعدلية والقضائية. ونعلم كذلك مدى ما وصلت إليه المرأة السعودية من مستويات في المشاركة المجتمعية وفرص العمل وإنهاء أمورها العملية والشخصية، وفق رؤية 2030 التي تشمل جميع المكونات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وهنا يبرز تساؤل بات يُتردد في أروقة المجتمع السعودي في الآونة الأخيرة: ما هي أسباب ارتفاع حالات الخلع والطلاق في السنوات الأخيرة؟. المعروف بأن مجتمعنا يمر بمرحلة انتقالية وتغيير اجتماعي لم يعهده في السابق، بعد فترة ركود وتحفظ في بعض الأوجه والشئون الحياتية امتدت لأربعة عقود، وتغيير بهذه السرعة وخلال فترة زمنية وجيزة لابد أن يصحبه أعراض جانبية وانسحابية ليست بالقليلة، وما يحدث في الشأن الأسري قد يكون أبرزها.
وهناك من يرى بأن تسهيل إجراءات الخلع تحديداً وقبول سبب (كراهية العيش مع الزوج) على سبيل المثال، هو أحد أسباب ارتفاع معدل حالات الخلع في المجتمع السعودي وبالأخص من الموظفات. ثم هناك فئة من المحامين والمحاميات تسهل كذلك على الزوجات التقدم بطلب الخلع، للتكسب المادي بغض النظر عن مراعاة مصلحة الزوجين معاً، على الرغم من إمكان تحقيق مكسب مادي للمحامي أو المحامية مع محاولة عقد صلح بين الزوجين في الوقت نفسه، فالتكسب المالي مشروع وهذه مهنة كباقي المهن، لها أخلاقياتها وفيها الفضلاء والدخلاء.
ولا ننسى ضحالة الوعي لدى بعض المتزوجين حديثاً ذكوراً وإناثاً، بشئون الأسرة والرابطة الزوجية وحسن إدارة الخلافات، والاقتصاد الأسري والتربية ورعاية الأبناء، ولعل ذلك يتضح من ازدياد حالات الطلاق لدى فئة المتزوجين حديثاً وفي السنة الأولى من الزواج تحديداً. وعليه فالعشم في وزارة العدل وهي المرفق الذي يلجأ إليه المواطن والمقيم طلباً للإنصاف والحق، بأن تقوم بدراسة وبحث هذه القضية، وأقصد ازدياد حالات الطلاق والخلع، من جميع جوانبها، ومن قبل مختصين في علم الاجتماع وبالتعاون مع الجامعات والجهات ذات الصلة، وتقديم إحصاءات دقيقة والاعتراف بالمشكلة لأن هذا الاعتراف بداية الحلول، استدراكاً لتماسك المجتمع وحفاظاً على اللحمة الاجتماعية، ما دامت لدينا الإمكانات المعنوية والمادية للعلاج، والله من وراء القصد.