مشعل الحارثي
كم أثلج صدورنا تلك اللفتة والمبادرة الجميلة بصدور قرار مجلس الوزراء الموقر برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رعاه الله بتاريخ يوم الثلاثاء 9 جمادى الثاني لعام 1444هـ الموافق 31 يناير 2023م بتسمية عامنا الحالي 2023م (عام الشعر العربي) بهدف تعزيز حضور الشعر في الحضارة الإنسانية وإرساء قواعد تراثه المستقبلي وإحلاله مكانته المستحقة بين آداب العالم وفنونه وتأصيلاً لدور الجزيرة العربية كوطن لثقافة العرب، وإحياء سنة السلف وخير خلف لقادة بلادنا الكرام منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز غفر الله له مروراً بعهد أبنائه الملوك من بعده حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين في اهتمامهم ورعايتهم بشؤون الأدب والأدباء والثقافة والمثقفين.
وصدق الشاعر الراحل علي أبو العلا عندما أشار إلى أهمية الأدب العربي ومنطلقه الأساس من من أرض الجزيرة العربية ودور قيادتنا الحكيمة في هذا الجانب فقال:
رويدك إنه الأدب
يكرم حفله النجب
جزيرتنا له مهد
ومنها العلم والكتب
فمنا من هدى الأكوان
ومنا المجد والحسب
ومنا الشعر والفصحى
جلاها النثر والخطب
بيان عز بالقران
فهو إليه ينتسب
لسان العرب مذ خلقوا
مبين لفظه عجب
بعهد كله فخر
به الأمجاد تكتسب
تحقق فيه ما نصبو
بغرس روضه اشب
فكم آل السعود وكم
لهم في شعبهم حدب
جنينا اليوم غرسهما
منى تحلو وترتغب
ويأتي عام الشعر العربي ليقدم دعوة صريحة من القيادة الحكيمة للعودة إلى الجذور، وتعزيز مكانة الشعر العربي ودوره عبر التاريخ كأقدم فن مارسه الإنسان، والعودة إلى الجذور والاغتراف من معينه الأصيل وموروثه الضخم، ومخزونه النفيس، وإعادة الوهج لهذا الفن ليبقى كهوية إنسانية حياً متوارثاً جيلاً بعد جيل، والتأكيد على أن الشعر رغم كل ما أصابه من تراجع وانحسار سيظل دوماً هو ديوان العرب الأول، وأنه مازال يسكننا، وأنه الحاضر الأبقى والأنقى الذي ينقلنا من سكون الحرف إلى صدى الموسيقى والإيقاع، وإلى حياة أخرى مفعمة بالأحلام والخيال والإحساس والشعور الذي يترجم نبض القلوب، ونوازع الروح، وهمس الخواطر ليظل الشعر دوماً يغني لنا أغنية الحياة.
ما على الشاعر بأس إن غدا
شعره أهزوجة في العالمين
تحفظ الود وترعى حبنا
وتزيح الهم عنا والأنين
ونغني في الورى أشعارنا
ونقضي العمر دوماً باسمين
ولا خلاف على أن الشعر منبر من منابر الثقافة الثرية ومستودع كبير لجملة الموروثات العربية التي من أهمها اللغة العربية بمفرداتها ومصطلحاتها وعلومها وآدابها وحكمها وأمثالها ولذلك قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الخبير بعلوم الشعر: (علموا أولادكم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق) لما يحتوي عليه الشعر العربي الأصيل من قيم نبيلة وشيم عربية كان يعتز ويفتخر بها الإنسان العربي في الجاهلية وكانت جزءاً من كينونته وصفاته وجاءت الشريعة الإسلامية فأقرت الكثير منها وطالبت بالتحلي بها كالصدق والعفة والشجاعة والقوة والصبر والكرم والحلم والإباء والأناة وغيرها من الصفات الأخلاقية الكريمة.
وفي عام الشعر نجدها فرصة سانحة لقراءة متأنية للثروة المعرفية من خلال مخزون الشعر العربي النفيس وإبداعاته المختلفة، وأن يكون الجميع بمختلف مستوياتهم وادوارهم على مستوى هذا الحدث والمبادرة الكريمة، ويأتي مواكباً لما تشهده بلادنا اليوم من نهضة ونقلة حضارية كبرى في مختلف المجالات، والعمل على حماية خصوصية الهوية العربية من الضياع والتماهي مع الآخر والذوبان في الحضارات الأخرى، وتذكير المجتمع وأبناء الجيل من طلاب المدارس والجامعات بأعلام الشعر العربي، وأعلام ورموز الشعر السعودي من الرواد الأوائل ومن تلاهم حتى اليوم، والتذكير بروائعهم وإبداعاتهم الخالدة وأن هذه البلاد هي الحاضنة الأولى لهذا الإرث الضخم وثقافتنا الأدبية الشعرية.
فمرحباً بالشعر والشعراء في عامهم وهم يغنون للحب والجمال والوطن والأصالة والعراقة والقيم النبيلة وكل ما يبهج الحياة، وسيظل الشعر روحاً عربية محلقة دوماً في الآفاق لأن الرياح العاتية لن تقتلع الأشجار الضاربة في العمق حتى لو رأينا أوراقها تتساقط وأصابها شيء من الجفاف فحتماً سيأتي عليها الربيع وتورق من جديد وتعطي للحياة معنى الأمل والتفاؤل والإشراق، وسيظل للقصيدة حضورها البهي الذي تسقط في ظله كل الشعارات، ولنكن على ثقة تامة بأن الأفكار قد تشيخ ولكن الشعر لا يشيخ.