توفي صباح يوم الأربعاء الموافق السادس من شهر شعبان للعام أربعة وأربعين وأربعمائة وألف للهجرة النبوية الشريفة.. الأستاذ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علي الحمدان صاحب مدارس العناية بعد أربعة وثمانين عاماً قضاها رحمه الله في العلم وملازمة العلماء والتعليم وأعمال البر والإحسان، وتخرج من معهد إمام الدعوة، ولازم المفتي العام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ردحاً من الزمن وباشر عدداً من الأعمال الإدارية والمالية في عدد من إدارات القضاء والفتيا.
وكان رحمه الله العمدة وقطب الرحى لحمولته آل حمدان من أهل البير من الوداعين من قبيلة الدواسر برعاية شؤونهم ورئاسة ديواينتهم طيلة الأربعين سنة الماضية لما يتمتع به من حنكة وخبرة قيادية ورؤية ثاقبة وسعة صدره وبذله رحمه الله.
تولى وأبقى بيننا طيب ذكره
كباقي ضياء الشمس حين تغيب
عرفته منذ أربعين سنة وهو هو إلى أن توفاه الله في حسن خلقه وكريم طباعه وجميل سجاياه ونقاء قلبه وكرامة نفسه شغوفاً بالمروءات والمكرمات وطلب الحسنات عف اللسان غاض البصر سخي اليد يعجبه العفو والصفح ويَطربُ للعطاء والبذل.
صاحبته طيلة أربعين عاماً لم أشهد عليه زلة أو عجزاً أو تقاعساً عن كل فعل طيب. بَلَوتُ وفاءه فوجدتُ مثَلَه في الوفاء السموأل، وبلوت صبره فوجدت مَثلَه أيوب عليه السلام، وبلوت حلمه ورحمته وإحسانه والعفو عن حقه فيذكرني «بالاحنف بن قيس».
انظر إلى هذا المثل في العطاء والسماحة في إيرادات مدارسه مدارس العناية فإن ما يزيد على ربعها يذهب في المنح لأبناء أهله وعمومته وحفظة القرآن الكريم وللأيتام وللفقراء والعاجزين.
طَلْقُ المحيا وبالأخلاقِ يأسرنا
وليس ممَنْ يَغُمُّ الصحبَ بالعتبِ
وللضيوفِ بقلبِ الشيخِ منزلةٌ
فهو المُرحِّبُ في الإكرامِ كالسُّحبِ
كنا أربعة لا نكاد نفارق بعضنا الأستاذ يوسف الفائز رحمه الله صاحب مدارس الفلاح، واستاذي وشيخي الدكتور محمد الجعوان مستثمر سابق في التعليم الأهلي تقاعد برتبة لواء من الجيش؛ وفقيدنا اليوم الأستاذ عبد الله الحمدان وأنا، تزاورنا وتسامرنا وسافرنا سوياً وها قد ذهب الأول منا وهو الأستاذ يوسف الفايز رحمه الله وهذا الأستاذ عبد الله الحمدان يغادرنا وبقيت أنا وشيخي الدكتور محمد الجعوان فيا ليت شعري من التالي منا باللحاق بمن سبقونا.
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
ووالله إن الأرض تضيق وتوحش كلما فقدنا أخاً ونبيلاً فاللهم أحسن عزاءنا ووفقنا إلى الصبر والرضى.
لقد كان عبد الله الحمدان نَسيجُ وَحْدِه لا أكاد أجدل له مثيلاً وإنك لتجد في كل رجل ماجد عظيم صفة أو أكثر من صفات الكمال ولكنها في عبد الله الحمدان تكاد تجدها كلها مجتمعة.
لا يجده من يعامله أو تسامر معه إلا ثاجاً باجاً طلق المحيا يخجلك بتواضعه خافض الصوت بليغ العبارات جميل القصص والحكايات حسن الانصات وقوراً كثير الصمت وإن تحدث أسمع.
قد مات قوم وما ماتت مآثرهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
وترك ذرية من بعده كالنجوم لهم منه صفاء النفس وطيب الحديث وهم بين يديه رحمه الله كالخيول المُسْرَجه عيونهم عليه ينتظرون أمره.
لهم من رياح الوسمي طيبها، ومن نباتات الوسمي ريحها، أزور والدهم رحمه الله في مسجده فأجد أبناءه حوله فلا أدري أنا بأي يد من أيديهم (تفضل اقلط القهوة تعش معنا الليلة) فلله هم من ذرية صالحة ولله تربية والدهم لهم على المكرمات رحمه الله.
هَنيئاً لَهُ قَد طابَ حَيّاً وَمَيِّتاً
فَما كانَ مُحتاجاً لِتَطيِيبِ أَكفانِ
واهاً يا أبا محمد ما أصعب فراقك وإنا لمحتاجون إلى ملازمة مثلك فأنت ممن قيل عنهم (فيهم اقتدوا).
فَلا جَزِعٌ إِن فَرَّقَ الدَهرُ بَينَنا
وَكُلُّ فَتىً يَوماً بِهِ الدَهرُ فاجِعُ
جَمالَ ذي الأرض كانوا في الحياة وهُم
بعدَ المماتِ جَمالُ الكُتْبِ والسِّيَرِ
ألا فلينظر كل منا إلى من حوله من أهل السير العطرة والذكر الطيب فليلازمه ويزكي نفسه بعلمه وسيرته وحكمته وطيب أفعاله فإنه مفارقه يوماً ولات ساعة مندم.
أعزي نفسي وأخي الأستاذ/ الوجيه الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن الحمدان شقيق صاحبنا وأبناءه البررة وأهله وذويه ومجتمع التعليم الأهلي ولا نقول إلا ما يرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
اللهم اغفر لأبي محمد وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، وأغسله بالماء والثلج والبرد ونقهِ من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغُفراناً. اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة وقه عذاب النار.
اللهم ارفع درجته في المهديين، وألحقهُ بعبادكَ وأوليائك المتقين، وأصلح في عقبه في الغابرين، واجمعنا به في جناتك جنات النعيم، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، واجعله في مثواه من السعداء، وعند قيامه للنشور من الآمنين، وحين تطاير الصحف ممن يأخذها باليمين، واجعله على الصراط من أسرع العابرين، وإلى أعالي الجنان من الداخلين.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
** **
- عبد الله بن إبراهيم الخلف