محمد سليمان العنقري
الحديث عن الحاجة لتطوير قطاع الإعلام أشبع طرحاً وشرحاً على مدى سنوات ماضية، فالتطوير حالة عامة تشمل كل القطاعات وليست حكراً على الإعلام فقط الذي يفترض أن يكون سابقاً لغيره، فهو من يسوق لقصص الوطن وينشرها ويشرحها عبر وسائله كافة ودون الغوص في دور الإعلام المعروف للأغلبية فإن تشريح قطاع الإعلام ومعرفة عناصر القوة ومكامن الخلل هو البداية الحقيقية نحو التطوير والتكامل بدوره مع بقية القطاعات في الدولة، التي اهتمت بالإعلام منذ عقود وحققت وسائل الإعلام نجاحات مهمة عبر سنوات طويلة سواءً الصحف أو الإعلام المرئي والمسموع وحديثاً الصحف الإلكترونية وكذلك وسائل التواصل لكن مع اعتماد رؤية 2030 والتحول الوطني الذي بدأ منذ أكثر من ستة أعوام وأحدث نقلة سريعة وضخمة في القطاعات الاقتصادية وفي جودة الحياة والمجتمع عموماً، ليعكس كل ذلك ما ترمي له الرؤية من وطن طموح واقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي، فجميع هذه الركائز تحتاج إلى إعلام متقدم وواسع الانتشار وعميق بالمحتوى.
فالإنفاق على الإعلام بالمملكة سخي وأسهم ذلك بتشييد مؤسسات إعلامية عديدة لكن معيار مخرجاتها يفترض أن يربط بكفاءة الإنفاق، فقد ينفق على وسائله كثير من المال، لكن ما سيخرج عنها له سقف لن يتجاوزه، بينما قد يكون العكس من ذلك؛ أي ينفق على وسائل أخرى القليل من المال في الوقت الذي تعد هي مطبخ إعلامي ضخم وسقف عطائه مرتفع، لكن لم يستثمر فيه من المال ما يحقق هذه المنفعة لأن الإعلام يحتاج لكثير من الاستثمار والدعم المادي والتنظيمي حتى يكون قادراً على مواكبة التطور في أي دولة تنافسية تسعى لأن تكون رائدة ومتطورة اقتصادياً وفي كافة المجالات التي تعزز حضورها الدولي، فالوصول لتأثير إعلامي واسع النطاق صحيح أن واجهته الوسائل، لكن نجاحها يحتاج إلى ممكنات عديدة، منها تأهيل الكوادر البشرية وتوفير الأحهزة الحديثة والتمكين من كافة طرق النشر وخصوصا بالتحول الرقمي، إضافة للأنظمة والتشريعات التي قد تحتاج إلى مراجعة بما يجذب الاستثمارات للقطاع، فالغزو الإعلامي عالمياً أصبح قوة هائلة تتطلب قدرات موازية من حيث القوة بصناعة المحتوى وتعزيز دور المؤسسات الإعلامية القائمة وزيادة عددها سواء وسائل عامة أو متخصصة بخلاف طرق النشر والاستفادة من الخوارزميات والرقمنة لزيادة الانتشار لكن كل ذلك مرتبط بتعزيز مبدأ كفاءة الانفاق وتوجيهه بالنسب التي تنعكس بأن يعطي كل نشاط بالإعلام أفضل ما لديه، فإذا كان القطاع الخاص أسس كثيراً من مؤسسات الإعلام وبعضها وصل لمستوى من الريادة عربياً بحيث استحوذ على نسبة جيدة من الفضاء والمقصود القنوات الفضائية إلا أن هناك مزيداً من الحاجة لدعم التوسع بهذا القطاع وتوفير الممكنات له، إضافة للمؤسسات الصحافية السعودية التي سبقت الإعلام المرئي بسنوات طويلة وواكبت نهضة المملكة منذ عقود والتي تحتاج أيضاً للاهتمام نفسه، فهي تمتلك خبرة وتاريخاً طويلاً بالإعلام وتعد مطبخاً مهنياً كل ما زاد الاستثمار بها فإن عطاءها سيكون كبيراً، فهي من صنع الخبرات الإعلامية الموجودة بالساحة حالياً وقادرة على أن تستمر بهذا العطاء، فالحديث عن تصنيفات للصحافة ما بين ورقية وإلكترونية غير موضوعي فجميع الصحف العريقة بالمملكة تنشر إلكترونياً منذ سنوات طويلة فالانشغال بمثل هذه التصنيفات لا معنى له، فالصحافة أهم ما ينظر له فيها المحتوى أما طرق النشر فهذه مسألة محتلفة حتى تستطيع أن تحقق الأهداف المرجوة منها فإنها بحاة لدعم متنوع واستثمارات كبيرة.
الأفكار لتطوير الإعلام وتمويله ودعمه عديدة وهو بحاجة لتمكينه أكثر لتنويع مصادر دخله ليؤدي دوره بفاعلية أكبر، فوسائل الإعلام تعد أحد الأركان الرئيسة للقوى الناعمة وبكل تأكيد هناك عناصر ثقافية وفكرية وكذلك بالتحارة وغيرها تعمل معها لكن بدون إعلام متمكن لن تنتشر أخبارها ولا المعلومات عن التطورات الاقتصادية والاجتماعية أو القضايا الوطنية العامة أو التصدي للرسائل والمحتوى الهدام أو المعادي من الخارج أو الغزو الثقافي الذي يكتسح العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي فللإعلام دور بترسيخ القيم والمبادئ التي يعتز بها المجتمع، فهل نشهد حقبة جديدة بالإعلام قائمة على استراتيجية تدعم وتعزز توجيه وجذب الاستثمارات وتطوير بالانظمة والتشريعات ليواكب هذا القطاع مسيرة نهضة المملكة وتأثيرها الإقليمي والدولي الواسع؟