د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
في 1389هـ بدأت دراستي الجامعية في كلية الآداب، في هذا العام عدت ليواجهني التاريخ الذي تحاشيت شيئًا منه في مرحلة الثانوية العامة، كان علينا دراسة تاريخ وادي الرافدين وتاريخ وادي النيل (التاريخ الفرعوني)، وكان علينا أن ندرس تاريخ شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، تاريخ جملة من الممالك المتتابعة في جنوبها ووسطها وشمالها، وكان يدرسنا تاريخ الجزيرة العربية أستاذنا القدير الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري الذي أذهلنا بشدة استيعابه لذلك التاريخ على تعدد الممالك وتفرقها، وبدأ أستاذنا بإرشادنا إلى المصادر التاريخية التي يصح الاعتماد عليها، ومن أهمها ما كان معتمدًا على الآثار، ودلنا على كتاب ضخم هو (تاريخ العرب قبل الإسلام) للعالم العراقي القدير جواد علي، وهو الكتاب الذي طور بعد ذلك إلى عمل موسوعي هو (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)، وأستاذنا لم يكتف بتدريس التاريخ بل سعى إلى الكشف عن هذا التاريخ؛ فنظم هو وطلابه رحلات متعددة إلى منطقة الفاو أظهرت جملة من الآثار القديمة القيمة.
كلف أستاذنا أيضًا في مرحلة من مراحل حياته المهنية عمادة كلية الآداب، أذكر أني تقدمت إليه في ذلك الحين بتصور لما يمكن أن تكون عليه الكلية، فتلقى ذلك برفق وأناة وشكرني له؛ ولكنه بين لي أن تحقيقه متعذر حسب الإمكانات المتاحة، وفي عهد عمادته كانت مسابقات الطالب المثالي في الكلية، ورأيته في يوم الاحتفال الختامي يقف هو نفسه ليعلن فوزي، ويقرأ تقريرًا معدًّا لذلك، ويقدم لي هدية الكلية، وهي الكتاب الضخم (في ظلال القرآن) لسيد قطب، احتملها في تلك الليلة زميلي عبدالله آل الشيخ.
كنت كلفت بكتابة كلمة الطلاب وإلقائها في يوم احتفال الجامعة بتخرج طلابها. وقفت على المنصة خائفًا وجلًا من الموقف المهيب، وكان التلفاز ينقل الحفل على الهواء، التفت نحو صف كبار المسؤولين الجالسين على المسرح فأنتبه لي أستاذي ورأيته يرفع ساعده بجمعه، علامة القوة، يشجعني ويقويني بهذه الإشارة وكانت حسبي.
لم ألق أستاذنا إلا أظهر لي تقديره ومحبته، سرّه كثيرًا مشاركتي في إعداد موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب، وحين نشرت طلب مني الاطلاع عليها فأعرته نسختي، ثم إنه أعادها بعد مدّة وبدا لي أن لديه جملة من الملحوظات عليها وإن لم يصرح بها، ثم شاركت بورقة عن أسماء الناس في المملكة العربية السعودية، بمناسبة ندوة مجلة كلية الآداب في اليوبيل الفضي لها، فأعجبه ما قدمت ودعاني إلى صنع موسوعة عن الأسماء في الجزيرة العربية، وذكر أن الزملاء في قسم التاريخ يمكن أن يساعدوا في مثل هذا المشروع. ولكن بدا لي تعذر ذلك، فاكتفيت بتطوير الورقة ونشرتها كتابًا، وبدأت مشروعي في إعداد معجم عن أسماء الناس في المملكة العربية السعودية وهو ما تفضل بنشره مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية في مكة المكرمة، وأنا الآن عاكف على تجويده وزيادته لنشره مرة أخرى.
ولأستاذنا الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري لمساته الإنسانية التي لا أنساها، ومن ذلك أن زميلي حين كنا في جامعة القاهرة، الدكتور فهد بن عمر السنبل اضطرته حياته إلى أن يعمل في المدينة المنورة، فأراد أن ينتقل ليعمل في الرياض، فحملت أوراقه إلى أستاذي، وكان عميد الكلية في ذلك الوقت، وبينت له ما يتصف به الدكتور فهد من قدرات علمية عالية، وحدثته عن رسالتيه اللّتين أعدهما في جامعة القاهرة بإشراف الدكتور حسين نصار، وقلت لأستاذي لولا ثقتي بقدراته وأنه سيثري قسم اللغة العربية لعمله فيه ما قدمت أوراقه، ولكن أستاذي نظر إلى بُعد إنساني آخر، وهو ما ذكره الدكتور فهد في خطابه من أمر أخته الكبيرة التي هي بأمس الحاجة إلى وجوده إلى جانبها في الرياض، كان هذا الأمر ما جعل أستاذي يحرص على قبول أوراقه وعلى الموافقة على انتقاله، ذلك إلى ما تشفع له شهاداته وتزكية زملائه في المدينة ومنهم محمد العيد الخطراوي.
رحم الله أستاذي الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري الذي افتقدناه في يوم الاثنين 14 شعبان 1444هـ/6مارس 2023م.