استكمالاً للمقال الماضي والذي كان عن نظم العطار الساحر، نتحدث اليوم عن الكتاب الذي يتكلم عن قصة خيالية بنَفَسٍ صوفي عن اجتماع مجموعة من الطيور بإشراف الهدهد للبدء في رحلة البحث عن طائر «السيمرغ» وهو طائر لا وجود له إلا بالأساطير الفارسية، والذي تبحث عنه الطيور في رحلة يتدرجون فيها عبر أودية سبعة هي مثال للصفات التي يُفترض أن يسلكها الصوفي للوصول إلى فكرة «الفناء» بداية من فكرة العشق الإلهي كخطوة أولى.
يقول عن العشق إنه: «القوة الخفية التي تدفع السالك على المضي قدماً في الطريق رغبة في لقاء المحبوب الأزلي، ويقول في مقطع آخر: «العشق نار أما العقل فدخان، وما أن أقبل العشق حتى ولّى العقل الفرار مسرعاً، والعقل ليس متخصصاً في ميدان العشق»، بمعنى أن العاطفة تغلب العقل، فسهم العشق إذا انطلق لا مكان للعقل هنا، فإن لم يتمكن العقل من سهم العشق في البداية، فهذا ليس إلا بداية النهاية.
يتحدث العطار كثيراً عن ذات الفكرة من خلال قصصه عن العشاق، وكيف أن العاشق لا بد أن يفني ذاته في معشوقه، ومثال ذلك قصص «إياز» وعشقه للسلطان محمود، وقصة الصنعاني وعشيقته وما تم بينهما من فناء متبادل، لدرجة أن غيّر كل منهما دينه من أجل الآخر، فارتد الصنعاني تارة من أجل عشيقته، وعندما عاد إلى الإسلام، أسلمت عشيقته من أجله. وكأني به يحوم حول الحمى ولا يدخل فيها، مرسلاً إشارات ضمنية حول فكرة الفناء في الله من خلال القصص التي أوردها.
صور الفناء عند العطار - وهنا يبدو أكثر وضوحاً في مقاصده - على أربعة أنواع. فناء السالك في الله كفناء القطرة في البحر، وفناء الظل في الشمس، وفناء الشعرة في ذؤابة الحبيب. ويلاحظ أن كلها تتخذ معنى التلاشي التام، ويلخصها قول «عمر الخيام»: إن تفصل القطرة من بحرها ... ففي مداه منتهى أمرها.
يبدو لي من خلال عباراته أنه كان شاعراً صوفياً، ولم يكن صوفياً شاعراً، أي أنه شاعر يميل إلى التصوف، ولم يكن مثل بعض أهل التصوف الذين اتخذوا من الشعر وسيلة لنشر أفكارهم.
وعلى الرغم من جمال أسلوب العطار الأدبي، إلا أنه وكعادة المتصوفة لا يخلو من شطحات. فتبريره لعدم سجود إبليس، بأنه لم يضع رأسه على الأرض ليرى السر الذي كان خفياً، وإنه رأى السر الذي أخفاه الله عن الخلق، فغضب الله عليه، أراه كلامًا خياليًا لا أساس له من الصحة.
أخيراً...
إن هدف العطار من «منطق الطير» هدف صوفي يتلخص في الرغبة والترقي والوصول إلى الله عبر أودية سبعة تمر بوادي العشق وهو ثاني الأودية وأهمها، وتنتهي بوادي الفقر والفناء.
ما بعد أخيراً...
لست مقتنعاً بكل ما ورد في الكتاب...
ولكنه يستحق القراءة... فالأسلوب لعشاق الكلمة يحلق بك في سماء الإبداع، بدعة بدعة.