فاجأنا نبأ وفاة العلّامة الأستاذ د. عبدالرحمن الطيب الأنصاري، ذهب إلى مستقره في غير صخب ولا جلبة، وتولى محبيه الذهول والأسى العميق.. وإنما هي الدنيا مهما تراخت بنا فيها الآجال، لا بد أن تنتهي إلى زوال، ولا بد من تجرع الموت الزؤام، ولابد أن تفجع فيها بالأقارب والصحاب، ولا بد أن تروع بفراق الأصدقاء والزملاء، كم من عزيز على النفوس كان ملء السمع والبصر علماً وفضلاً فقدناه بالأمس وقبل الأمس، أين منا من كنا نرمقهم بإعجاب وهم يعرضون أفكارهم وآراءهم بحجج دامغة وأصوات مجلجلة؟.. أين منا العلم الشامخ أستاذنا الكبير عبدالرحمن الطيب الأنصاري، وتلك الصفوة من أعلام الوطن؟.. طويت صحف آجالهم بغتة وخلفونا وراءهم نبكيهم بدموع غزار.. أعيا دواء الموت كل طبيب، حكمة الله الخالدة أن لا ينجع في الموت دواء، فلقد خلف الفقيد بوفاته مكاناً علمياً في الوطن سيظل شاغراً بعده؛ لخلقه السوي، وعلمه الشامل والتخصصي.. رأيناه طلاباً فكان دائماً بشوشاً، طلق الوجه، رضي النفس، ودوداً للجميع،، وأما علمه فكان منهلاً لا ينضب معينه إذ أنفق فيه حياته وعاش للعلم، وعاش به معيشة من تفرغ لنسكه.
رحم الله الطيب الأنصاري كانت حياته مثالاً للخلق العظيم، والسعي الكريم، والنشاط الذي أغدقه على وطنه في نواح علمية وإدارية وشورية كثيرة جليلة من نواحي حياة وتاريخ الوطن، وتوافر على مرافق كثيرة من مرافق نهضتها، سخياً في بذل الجهد المخلص حتى أُخريات أيامه، فهو وطني بحق يشهد بذلك الذين صادقوه والذين عارضوه.. والحديث عنه لا ينقضي في ساعة من نهار ولا في بعض الساعة لأنه هو، لبنة صالحة من لبنات بناء وتكوين جامعة الملك سعود، ومؤسسات وطنية علمية أخرى، والذين يستطيعون أن يقصوا هذه الحياة الثقافية هم الذين يستطيعون أن يصوروا حياته.. ذهب رحمه الله بخير ما كان في الحياة من نشاط وجهاد ورضى عن الوطن، وأمل في مستقبل واعد.. نعم السند ونعم القدوة.
إن الفقيد الذي نؤبنه كان يمثل جيلاً كاملاً بما ينطوي عليه هذا الجيل من إخلاص وحمية ووطنية وأدب وثقافة وتفكير، وفي كل هذه المواقف كان إحساسه مرهفاً وعاطفته نحو الوطن مشبوبة، يفكر بعقله وبقلبه، برز في علم الآثار فكان من أبهر الآثاريين شأناً، وأعلاهم كعباً، وأضخمهم اسماً وأبعدهم صيتاً وشهرة.. عرفته في بعض الرحلات العلمية لبعض الآثار، فعرفت فيه الأخوة الصادقة، والعلم الغزير، والبحث الدقيق، والجَد موسوعي المعرفة، جمع بين العلم والتاريخ القديم والآثار، تغمده الله برحمته، وجزاه بما قدم للوطن والأمة خير الجزاء، رحم الله الأنصاري كان في جميع مؤسسات العلم والتعليم والشورى موضع الاحترام والتقدير من الجميع، بما أضفاه عليها من خلقه الكريم، وإخلاصه الجمّ، وعلمه الموسوعي الخصب، وتفانيه في خدمة دينه ووطنه، قد يطول الحديث إذا مضيت أسرد صفاته، وأُعدّد شمائله يرحمه الله، ولكن حسبي أن أقول إن له بما متع به من صفات مكاناً مكيناً في كل قلب، وركناً ركيناً في كل فؤاد، وسوف تستمر حياته بيننا، وتطول حياته بين كل من عرفوه أو اقتربوا منه، يحييه في القلوب حبه وإخلاصه وتفانيه ويردد ذكره على الألسنة تقديره.. والذكر للإنسان عمر ثان.
** **
اللواء/ سعود بن مشعان الدخيل - حائل