يعتبر التغير الاجتماعي أحد موضوعات الدراسة والاهتمام في علم الاجتماع، ويعرف بأنه التحول الذي يطرأ على البناء الاجتماعي والأدوار الاجتماعية التي يقوم بها أفراد المجتمع والنظم والقواعد والضبط الاجتماعي خلال فترة زمنية محددة.
ومن المنظور الوظيفي تعتبر الأسرة أحد الأنساق الاجتماعية التي تحقق وظائف عدة للبناء الاجتماعي ككل، والتي صنفها عالم الاجتماع الأمريكي تالكوت بارسونز لأربع وظائف هي التكامل والمحافظة على النمط والتكيف وتحقيق الهدف.
إلا أن من المسلمات التي يتفق عليها علماء الاجتماع وجود المشكلات الاجتماعية المصاحبة للتغير ويتأكد ذلك في ظل تسارع وتيرته، حيث يؤدي التغير السريع إلى صعوبات عدم التكيف وظهور حالة من اللامعيارية لدى بعض أفراد المجتمع كما وصفها عالم الاجتماع الفرنسي إميل دروكايم، نظير تغير الأدوار والتفاعلات واختلال منظومة القيم بشكل عام.
تاريخياً تعرضت الأسرة السعودية للعديد من التغيرات البنيوية السريعة بفعل القفزات التنموية الكبيرة ودخول العناصر الثقافية الخارجية للمجتمع السعودي، مما ساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تسارع وتيرة التغير الاجتماعي بشكل عام والتغير في النسق الأسري بشكل خاص، مثل اكتشاف النفط والطفرة الاقتصادية والهجرة من القرى والهجر إلى المدن وتعليم المرأة وعملها واستقدام العمالة الوافدة وتغير أنماط العمل، تلك العوامل ألقت بظلالها على طبيعة العلاقات والتفاعلات والأدوار والبنى داخل النسق الأسري في المجتمع السعودي.
ويمكن القول إن التغيرات الاجتماعية الضخمة التي صاحبت رؤية المملكة 2030م والتي شملت جميع الأصعدة والمستويات، استبقتها حكمة القيادة الرشيدة بقرارات نوعية تحد من آثار المشكلات الاجتماعية وتستهدف النسق الأسري بشكل خاص، مثل إنشاء مجلس شؤون الأسرة في عام 2016م بقرار مجلس الوزراء وبرئاسة معالي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المهندس أحمد الراجحي، حيث يهدف هذا المجلس إلى تعميق تماسك الأسرة والحفاظ على هويتها وقيمها وتحسين مستوى الحياة داخلها.
وكذلك سن القوانين والتشريعات التي تنظم الحياة الأسرية وتكفل حقوق الجميع بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، مثل نظام الأحوال الشخصية الصادر في عام 2022م.
بالإضافة إلى مبادرة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بتأهيل وتدريب 2000 ممارس للإرشاد الأسري على مستوى المملكة، وذلك للإسهام في قدرة أفراد الأسرة على مواجهة تحديات المرحلة، وكانت هذه الجهود على سبيل المثال لا الحصر في اهتمام القيادة بالأسرة وإيماناً بأهمية استقرارها وكشريك رئيسي في عملية التغيير التنموي الذي تشهده المملكة.
بقي أن نقول إن الأسرة هي نواة المجتمع والمؤسسة الأولى التي تتم فيها التنشئة الاجتماعية من خلال تحويل الكائن البيولوجي إلى كائن اجتماعي، وهي أساس تهيئة أفراد المجتمع ليكونوا أعضاء صالحين وفاعلين في صناعة مستقبل مشرق. لذلك الأسرة (أولوية).
** **
- باحث دكتوراه في التغير الاجتماعي