د. محمد بن إبراهيم الملحم
استكمل الحديث عن مشكلة عدم توفر معلومات عن التخصصات ليتمكن الطالب من تحديد مساره وتقرير مستقبله المهني، وقد تكلمنا مسبقاً عن ضرورة توفر معلومات عن مهارات كل تخصص ومجالاته كفكرة عامة بحيث تقدم الجامعات هذه المعلومات عن كل تخصص لديها، واليوم أشير إلى أنه من المهم أيضاً أن يعرف الطالب ما حجم طلب الوظائف على هذا التخصص أو ذاك، والواقع إنه لا يمكن معرفة ذلك اليوم لعدم توفر معلومات كافية عن كمية الوظائف المعروضة في كل مجال، وكل ما هنالك هو مجرد تخمينات وتوقعات مبنية على الخبرة والمشاهدات السائدة لدى من يعملون في هذا المجال أو مجال الموارد البشرية وقطاعات التوظيف، حيث مثلاً ساد لديهم أن تقنية المعلومات تخصص مطلوب بكثرة، ثم ظهر الآن أنه ليس أي تخصص في تقنية المعلومات (أو فلنقل لقد تشبع السوق بهذا التخصص من حيث تقنية معلومات على وجه العموم) وإنما أصبح المطلوب هو الأمن السيبراني بالتحديد، وينطبق الأمر ذاته على تخصصات هندسية وطبية وإدارية ومالية. لذلك فإن تقنين «بورصة الوظائف» أصبحت مطلباً مهماً ليتمكّن الطلاب من معرفة مسارهم ذي الجدوى. يفترض أن تكون هناك قاعدة بيانات مفتوحة يجد فيها الطلاب سواء بالتعليم العام أو الجامعي ما يودون معرفته عن حجم الوظائف ونموها لكل تخصص، ولا يتسنى ذلك إلا بتولي هيئة حكومية ذات صلاحية جمع المعلومات سنويا وتحديثها بطريقة منهجية مقننة ومدروسة.
ربما يقول بعض الناس إن هذا يكاد يكون مستحيلاً بينما هو ممكن وقد تحقق في دولة منظمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية (وغيرها من الدول المماثلة في التنظيم والاهتمام)، حيث يمكنك من خلال خدمات موقع مثل Statista ورابطه https://www.statista.com/ أو مكتب إحصاءات العمل الأمريكي U.S. Bureau of Labor Statistics وموقعه https://data.bls.gov أن تجد إحصاءات تفصيلية ومفيدة جداً حول الوظائف، بل تقدم لك أدوات للبحث والتعرف على بعض المعلومات المحددة لتكتشف أكثر حولها، ولم تتحقق هذه الإنجازات إلا لوجود إيمان عميق بأهمية التوظيف بل والتوظيف السليم، حيث يكون كل فرد في مكانه المناسب لتتحقق للدولة الإنتاجية التي تطمح لها ولا يمكن أن يكون ذلك بالسير الاجتهادي دون التأسيس على معلومات تبنى عليها قرارات صحيحة وملائمة، بل مطلوب أن تكون تلك المعلومات هي «الأكثر» ملاءمة.
لقد سمعت منذ سنوات أن وزارة الموارد البشرية تسعى إلى جمع معلومات وطنية عن الفرص الوظيفية سواء في القطاع العام أو الخاص وتجعلها في قاعدة بيانات متاحة للجميع وتحدثها سنوياً بحيث تكون مرجعاً مضموناً لدى طالبي العمل أو الطلاب في سعيهم للقرار الأمثل نحو تخصصاتهم، فيتجهون للتخصصات الأكثر طلباً أو التي على الأقل يجدون ما يخبرهم أنها مطلوبة بشكل معقول، ولا أعلم أين وصل هذا المشروع؟! دخلت موقع الوزارة وبحثت لعلي أجد شيئاً فلم أعثر عليه. لا أعتقد أن مشروعاً كهذا ستتمكّن منه مؤسسة أو شركة كما ستتمكّن منه وزارة بحجم وتخصص هذه الوزارة، وهو يمثّل إضافة نوعية مهمة لو تم تحقيقه، وأتمنى أن تعجّل الوزارة من هذا المشروع أو تعمل على إزالة عوائقه إن كان يواجه ما يعوقه. وللحديث تتمة بإذن الله حول النوع الآخر من المعلومات لاختيار التخصص.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً