علي الخزيم
كما أن إنسان هذه البقاع الطاهرة الأبيَّة (جزيرة العرب) بما فيها بلادنا الحبيبة المملكة العربية السعودية قد عُرِف منذ الأزل - بصفة عامة - شامخاً ثابت المواقف صادق المبادئ والنوايا، صلب عند إحقاق الحق؛ وبما يتمتع به بعموم مكارم الأخلاق والشّيم والسجايا الحميدة: فإن كائنات تعيش كذلك على أرض الجزيرة تتمتع بشيء من الصفات آنفة الذكر، وبينها (النَّمر العربي) فقد عُرِف عند العرب بأن من خصائصه أنه عزيز النفس فلا يأكل من صيد غيره ويتنزَّه عن الجِيَف، وأنه اكتسب من طبيعة الصحراء النقية الصافية بهوائها ومائها ومرابعها السكينة والهدوء حتى أنه لا يُستَفز بسرعة؛ لكنه إذا غضب فإنه شديد البأس حتى إنهم زعموا أنه ربما قتل نفسه إذا بلغ منه الغضب مبلغه وعجز عن الانتصار لنفسه؛ وهي أقوال قد تندرج مدرج المبالغات إعجاباً بهذا السبع، وزادوا بأنه يتمخطر بجنبات الغابات والمرابع بثقة ملوك الغابة مع أنه لم يُصنَّف تاريخياً ولا بيئياً كملك للغابة إنما هي طبيعة الشَّمم والثقة بالنفس التي اكتسبها من بيئة الأراضي التي عاش بوسطها هنا، وهي التي منحته بلوغ السطوة وبُعد الوثبة وقوة الذاكرة.
ويعيش النمر العربي - وإن قلَّ عدده - بمناطق عدة بالمملكة كالجنوب والشمال الغربي، وتؤكد النقوش الصخرية بمواقع كثيرة بمحافظة العُلا بأنها من المواطن الأصلية عبر التاريخ لهذا المفترس النبيل، ولهذا فقد شهدت (عشار) بوسط محافظة العُلا الاتفاقية التي وقعها سمو وزير الثقافة محافظ الهيئة الملكية للمحافظة مع رئيس مجلس إدارة منظمة (بانثيرا) العالمية المعنية بحماية مثل هذه الكائنات من السنوريات أو القطط الكبيرة من خطر الانقراض؛ ولدعم مبادرات الجهود الإقليمية والدولية بهذا الشأن، كما تهدف للتركيز على حماية وتنمية النمر العربي المُهَدد بالانقراض، حيث تُعد العُلا من المواطن الأصلية له، كما تسعى الهيئة في استراتيجيتها لتحقيق رؤية المملكة 2030 لتأهيل النظم البيئية للتوسع ببرنامج الإكثار عبر افتتاح مركز النمر العربي الذي خصصت له الهيئة عشرات الملايين من الريالات، وما اهتمام الهيئة بهذا الجانب الحيوي الهام إلَّا تحقيقاً للتوجيهات العليا بالحفاظ على التوازن البيئي الطبيعي، فقد قدمت المملكة نموذجاً مميزاً على مستوى العالم لحماية النمر العربي والسعي لحفظ سلالته من الانقراض، كما قرر مجلس الوزراء تحديد 10 فبراير من كل عام يوماً للنمر العربي، ومن ثم توجيه سمو ولي العهد رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمحافظة العلا لإنشاء الصندوق العالمي لحماية النمر العربي في فبراير 2019 الذي كان ضمن إطلاق مشروع محمية شرعان الطبيعية بالمحافظة إسهاماً من القيادة الرشيدة للحفاظ على النمر العربي.
ومن أجل هذا فإنه لزاماً علينا جميعاً العمل بحرص للحفاظ على هذه الكائنات وسط بيئتها الطبيعية لتتكاثر بسلام لتحقيق مفهوم التوازن البيئي الذي لا غنى عنه لحياة الإنسان وإصحاحه؛ وسلامته من تكاثر الآفات والأعداء الطبيعيين ومن ثم سلامة البيئة بشكل عام، إذ لا تتحسن الحياة وتجود دون بيئة متوازنة كما أرادها الله سبحانه، ولنتعاون لإنجاح الجهود الرامية لإنقاذ نَمِرنا العربي من الانقراض ولتكاثره الطبيعي.